للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِخْواناً)

أي واذكروا أيها المؤمنون النعمة التي أنعم الله عليكم بها حين كنتم أعداء يقتل بعضكم بعضا، ويأكل قويكم ضعيفكم، فجاء الإسلام فألف بينكم وجمع جمعكم، وجعلكم إخوانا، حتى قاسم الأنصار المهاجرين أموالهم وديارهم، وكان بعضهم يؤثر غيره على نفسه وهو فى خصاصة وحاجة إليه، وأطفأ الحروب التي تطاولت بين الأوس والخزرج مائة وعشرين سنة، وأنقذهم مما هو أدهى وأمر وهو عذاب الآخرة.

(وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) أي وكنتم بوثنيتكم وشرككم بالله، كأنكم على طرف حفرة يوشك أن ينهار بكم فى النار، فليس بين الشرك والهلاك فى النار إلا الموت، والموت أقرب غائب ينتظر، فأنقذكم الإسلام منها.

وفى هذه الآيات جماع المنن التي أنعم بها عليهم، فقد أخرجهم بالإسلام من الشرك ومخازيه، وألف بين قلوبهم حتى صاروا سادة البشر، حين كانوا يعملون بكتابه وأنقذهم بذلك من النار، فسعدوا بالحسنيين.

فانظر إلى آيات الله، ودلائل قدرته، كيف حوّل قوما متخاذلين تملأ قلوبهم الإحن والعداوات، ويتربص كل منهما بالآخر ريب المنون- إلى جماعات متصافية القلوب، مليئة بالحب والإخلاص، وجهتهم جميعا واحدة، هى حكم الله ورفعة دينه، ونشره بين البشر.

(كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أي كما بين لكم ربكم فى هذه الآيات ما يضمره لكم اليهود من غشكم، وبين لكم ما أمركم به، وما نهاكم عنه، وبين لكم الحال التي كنتم عليها فى الجاهلية، وما صرتم إليه فى الإسلام، ليعرفكم فى كل ذلك مواقع نعمه- كذلك يبين سائر حججه فى تنزيله على لسان رسوله، ليعدّكم للاهتداء الدائم، حتى لا تعودوا إلى عمل الجاهلية من التفرق والعدوان.

والاختلاف الذي يقع بين البشر ضربان:

(١) ضرب لا يسلم منه الناس، ولا يمكن الاحتراس منه، وهو الخلاف

<<  <  ج: ص:  >  >>