وقد روى «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن خير الناس؟ فقال: آمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر، وأتقاهم لله، وأوصلهم للرحم» .
وعنه أنه قال:«والذي نفسى بيده لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عذابا من عنده، ثم لتدعنّه فلا يستجاب لكم» .
وعن علىّ كرم الله وجهه: أفضل الجهاد الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، ومن غضب لله غضب الله له.
وبعد أن أمر سبحانه بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، بيّن ما يجب أن تكون عليه الأمة الداعية، الآمرة الناهية، من وحدة المقصد، واتحاد الغرض، لأن الذين سبقوهم من الأمم لم يفلحوا لاختلاف نزعاتهم، وتفرق أهوائهم، لأن كلا منهم يذهب إلى تأييد رأيه، وإرضاء هواه.
أما المتفقون فى القصد، فاختلافهم فى الرأى لا يضيرهم، بل ينفعهم إذ هو أمر طبيعى لا بد منه لتمحيصه، وتبين وجوه الصواب فيه، ومن ثم قال تعالى:
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) أي ولا تكونوا كأهل الكتاب الذين تفرقوا فى الدين وكانوا شيعا، تذهب كل شيعة منها مذهبا يخالف مذهب الآخر، وتنصر مذهبها وتدعو إليه، وتخطّىء ما سواه، ولذا تعادوا واقتتلوا.
ولو كان فيهم أمة تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتعتصم بحبل الله وتتجه إلى غاية واحدة لما تفرقوا ولا اختلفوا فيه، ولما تعددت مذاهبهم فى أصوله وفروعه، وما قاتل بعضهم بعضا- فلا تكونوا مثلهم فيحل بكم ما حل بهم.
وبعدئذ ذكر عاقبة المختلفين وعظيم نكالهم فقال:
(وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) وهذا العذاب يشمل خسران الدنيا، وخسران الآخرة، أما فى الدنيا فلأن بأسهم يكون بينهم شديدا، فيشقى بعضهم ببعض، ويبتلون بالأمم التي تطمع فى الضعفاء، وتذيقهم الخزي والنكال، وأما فى الآخرة فعذاب الله أشد وأبقى.