(فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ، أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ؟) أي فأما الذين تفرقوا واختلفوا فاسودت وجوههم فيقال لهم هذا القول فى الدنيا والآخرة.
أما فى الدنيا فلا بد أن يوجد فى الناس من يقول للأمة التي وقع فيها هذا الاختلاف- مثل هذا القول تغليظا لها لأن عملها لا يصدر إلا من الكافرين، وأما فى الآخرة فيوبخهم الله تعالى بمثل هذا السؤال.
وقد جرى عرف القرآن أن يعدّ المتفرقين فى الدين من الكفار والمشركين كما جاء فى قوله:«وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ» وقوله: «إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ» .
كذلك يعد الخروج عن مقاصد الدين الحقيقية من الكفر، لأن الإيمان اعتقاد وقول وعمل، وهو ذو شعب كثيرة من أجلّها تحرى العدل، واجتناب الظلم، فمن استرسل فى الظلم كان كافرا كما قال تعالى:«وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ» .
وكذلك من ترك الاتحاد والوفاق والاعتصام بحبل الدين كان من الكافرين بعد الإيمان.
(وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) أي وأما الذين ابيضت وجوههم باتحاد الكلمة، وعدم التفرق فيكونون فى الدنيا خالدين فى النعمة ماداموا على تلك الحال، وخلودهم فى الرحمة فى الآخرة أظهر.
(تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ) أي هذه الآيات نتلوها عليك مقررة ما هو الحق الذي لا مجال للشبهة فيه، فلا عذر لمن ذهب فى الدين مذاهب شتى، واتبع سنن السابقين، وجعل القرآن عضين.
فعلينا أن نستمسك بما به أمر ووعد عليه بالفوز والنجاح، ونترك ما عنه نهى