فلو تصفحنا الأحكام التي حكم بها على أهل الكتاب، وعرضناها على علمائهم وفلا سفتهم ومؤرخيهم لقالوا: إنها الحق الصّراح.
(لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً) أي إن هؤلاء الفاسقين لا يقدرون على إيقاع الضرر بكم بل غاية جهدهم أن يؤذوكم بالهجو القبيح، والطعن فى الدين، وإلقاء الشبهات وتحريف النصوص، والخوض فى النبي صلى الله عليه وسلم.
(وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ) أي وإن يقابلوكم فى ميدان القتال ينهزموا من غير أن يظفروا منكم بشىء، والمنهزم من شأنه أن يحوّل ظهره إلى جهة مقاتله ويستدبره فى هربه منه، فيكون قفاه إلى وجه من انهزم منه.
(ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) أي ثم إنهم لا ينصرون عليكم أبدا ماداموا على فسقهم، ودمتم على خيريتكم، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله.
وفى الآية ثلاث بشارات من أخبار الغيب تحققت كلها، وقد صدق الله وعده.
ومما سبق تعلم أن هذا الحكم إنما يثبت لهم إذا حافظوا على نصر الله بنصر دينه كما قال:«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ» وكما قال فى وصف المؤمنين المجاهدين «الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ» .
(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) أي إنهم ألزموا الذلة فلا خلاص لهم منها، فحالهم معكم أنهم أذلاء مهضومو الحقوق رغم أنوفهم، إلا بعهد من الله وهو ما قررته الشريعة إذا دخلوا فى حكمها من المساواة فى الحقوق والقضاء وتحريم الإيذاء، وعهد من الناس، وهو ما تقتضيه المشاركة فى المعيشة، من احتياجهم إليكم واحتياجكم إليهم فى بعض الأمور، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحسن معاملتهم ويقترض منهم، وكذلك الخلفاء الراشدون.
والخلاصة- إن هؤلاء لا عزة لهم فى أنفسهم، لأن السلطان والملك قد فقدا