للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما سلف تعلم أن هذا المثل ضرب لخيبتهم فى الآخرة، وليس بالبعيد أن يكون أيضا مثلا لخيبتهم فى الدنيا.

ذاك أنهم أنفقوا الأموال الكثيرة فى جمع العساكر، وتحملوا المشاق، ثم انقلب الأمر عليهم، فأظهر الله الإسلام وقواه، فلم يبق للكفار من ذلك الإنفاق إلا الخيبة والحسرة.

وقد جعل الله هذا الحرث لقوم ظلموا أنفسهم، لإفادة أن المنفقين لا يستفيدون منه شيئا، إذ حرث الكافرين الظالمين هو الذي يذهب بلا منفعة فى الدنيا ولا فى الآخرة.

أما حرث المسلم المؤمن فهو وإن ذهب حسا فهو لا يذهب معنى، لما فيه من الثواب بالصبر على ما يصيبه من النكبات والأحزان.

والخلاصة- إن الجوائح قد تنزل بأموال الناس من حرث ونسل عقوبة لهم على ذنوب اقترفوها، إذ لا يستنكر على القادر الحكيم الذي وضع السنن وربط الأسباب بمسبباتها فى عالم الحس، أن يوفق بينها وبين سننه الخفية فى إقامة ميزان القسط بين الناس، لهدايتهم إلى ما به كمالهم من طريق العلوم الحسية التي تستفاد من النظر والتجربة، ومن طريق الإيمان بالغيب الذي يرشد إليه الوحى الإلهى.

ونحن نسمى ما يترتب عليه حدوث الشيء سببا له، وما يلابس السبب من النفع لبعض والضر لآخرين حكمة له، وكل ذلك مقصود للفاعل الحكيم.

َ ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)

أي وما ظلمهم الله بعدم انتفاعهم بنفقاتهم بل هم الذين ظلموا أنفسهم بإنفاق الأموال فى السبل التي تؤدى إلى الخيبة والخسران على النهج الذي سنة الله فى أعمال الإنسان والآية نزلت فيما كان ينفقه أهل مكة، أو ينفقه اليهود فى عداوة النبي صلى الله عليه وسلم ومقاومته، لأنهم هم الذين اختاروا ذلك لأنفسهم، ولم يضروا النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، بل كان ذلك سبب سيادته عليهم، وتمكنه منهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>