(١)(ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ) أي إنكم تحبون هؤلاء الكفار الذين هم أشد الناس عداوة لكم، ولا يقصرون فى إفساد أمركم، وتمنّى عنتكم، ويظهرون لكم العداوة والغش، ويتربصون بكم ريب المنون، فكيف بكم توادونهم وتواصلونهم؟.
وحب المؤمنين لهم- وهم على تلك الشاكلة- من أقوى البراهين على أن هذا الدين دين رحمة وتساهل، لا يمكن أن يتصور ما هو أعظم منه فى ذلك.
(٢)(وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ) أي إنكم تؤمنون بجميع ما أنزل الله من الكتب، سواء منها ما نزل عليكم وما نزل عليهم، فليس فى نفوسكم جحد لبعض الكتب الإلهية، ولا للنبيين الذين جاءوا بها، حتى يحملكم ذلك على بغض أهل الكتاب- أما هم فيجحدون بعض الكتب وينكرون بعض النبيين.
وخلاصة هذا: إنهم لا يحبونكم مع أنكم تؤمنون بكتابهم وكتابكم، فما بالكم لو كنتم لا تؤمنون بكتابهم، كما أنهم لا يؤمنون بكتابكم؟ فأنتم أحرى ببغضهم، ومع هذا تحبونهم ولا يحبونكم.
قال ابن جرير: فى الآية إبانة من الله عز وجل عن حال الفريقين، أعنى المؤمنين والكافرين، ورحمة أهل الإيمان ورأفتهم بأهل الخلاف لهم، وقساوة قلوب أولئك وغلظتهم على أهل الإيمان اه.
وقال قتادة: فو الله إن المؤمن ليحب المنافق ويأوى إليه ويرحمه، ولو أن المنافق يقدر من المؤمن على ما يقدر عليه المؤمن منه لأباد خضراءه (أفناه وأهلكه) اه.
وفى هذا توبيخ للمؤمنين بأنهم فى باطلهم أصلب منكم فى حقكم.
ونحو الآية قوله:«فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ»(٣)(وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) أي وإذا لقوا المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ألانوا لهم القول حذرا على أنفسهم منهم، فقالوا: آمنا وصدقنا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وإذا هم صاروا فى خلاء حيث لايراهم المؤمنون أظهروا شدة العداوة والغيظ منهم،