(وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) أي وإن تصبروا على مشاق التكاليف فتمتثلوا الأوامر، وتتقوا كل ما نهيتم عنه وحظر عليكم- ومن ذلك اتخاذ الكافرين بطانة- فلا يضركم كيدهم، لأنكم قد وفيتم لله بعهد العبودية، فهو يفى لكم بحق الربوبية، ويحفظكم من الآفات والمخافات كما قال سبحانه:«وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ» .
قال بعض الحكماء: إذا أردت أن تكبت من يحسدك فاجتهد فى اكتساب الفضائل.
وقد جرت سنة القرآن أن يذكر الصبر فى كل مقام يشق على النفس احتماله، ولا شك أن حبس الإنسان سره عن وديده وعشيره، ومعامله وقريبه مما يشق عليه، فإن من لذات النفوس أن تفضى بما فى الضمير إلى من تسكن إليه وتأنس به.
ولما نهى المؤمنين عن اتخاذ بطانة من دونهم من خلطائهم وعشرائهم وحلفائهم لما بدا منهم من البغضاء والحسد- حسن أن يذكّرهم بالصبر على هذا التكليف الشاق عليهم، واتقاء ما يجب اتقاؤه للسلامة من عواقب كيدهم.
وفى الآية عبرة للمسلمين فى معاملة الأعداء، فإن الله أمر المؤمنين بالصبر على عداوة أولئك المبغضين الكافرين، واتقاء شرهم، ولم يأمرهم بمقابلة الشر بمثله، إذ من دأب القرآن ألا يأمر إلا بالمحبة والخير، ودفع السيئة بالحسنة كما قال:«ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» .
فإن تعذر تحويل العدو إلى محب، بدفع سيئاته بما هو أحسن منها- جاز دفع السيئة بمثلها من غير بغى، كما فعل النبىّ صلى الله عليه وسلم مع بنى النّضير، فإنه حالفهم ووادّهم، فنكثوا العهد وخانوا، وأعانوا عليه عدوه من قريش وسائر العرب، وحاولوا قتله، فلم يكن هناك وسيلة لعلاجهم إلا قتالهم وإجلاؤهم من ديارهم.
(إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) أي إنه تعالى عالم بعمل الفريقين، ومحيط بأسباب ما يصدر من كل منهما، ومقدماته، ونتائجه وغاياته، فهو الذي يعتمد على إرشاده،