وعظمته وجلاله، فرجعوا إليه تعالى طالبين مغفرته، راجين رحمته، علما منهم أنه لا يغفر الذنوب سواه، فهو الفعال لما يشاء بمقتضى حكمته وعلمه الواسع.
(وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ) جملة جاءت معترضة بين ما قبلها وما بعدها، تصويبا لفعل التائبين، وتطييبا لقلوبهم، وبشارة لهم بسعة الرحمة وقرب المغفرة، وإعلاء لقدرهم بأنهم علموا أن لا مفزع للمذنبين إلا فضله وكرمه. وأن من كرمه أن التائب من الذنب عنده كمن لا ذنب له، وأن العبد إذا التجأ إليه، وتنصل عن الذنب بأقصى ما يقدر عليه عفا عنه وتجاوز عن ذنوبه وإن جلّت، فإن عفوه أجلّ وكرمه أعظم، كما أن فيها تحريضا للعباد على التوبة وحثا لهم عليها، وتحذيرا من اليأس والقنوط.
(وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أي ولم يقيموا على القبيح من غير استغفار ورجوع بالتوبة،
وقد قال عليه الصلاة والسلام «لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار»
يريد صلى الله عليه وسلم أن الصغيرة مع الإصرار كبيرة، وقوله: وهم يعلمون أي بقبحه والنهى عنه والوعيد عليه، والفائدة من ذكر هذا بيان أنه إذا لم يعلم بقبحه يعذر فى فعله.
والمؤمن المتقى لا يصر على الذنب وهو يعلم نهى الله عنه ووعيده عليه، إذ يعلم أن الذنب فسوق وخروج عن نظام الفطرة السليمة، واعتداء على حقوق الشريعة.
فالآية تومىء إلى أن المتقين الذين أعد الله لهم الجنة لا يصرون على ذنب يرتكبونه صغيرا كان أو كبيرا، لأن ذكرهم لله يمنعهم أن يقيموا على الذنوب. إذ الإصرار على الصغائر يجعلها كبائر، ورب كبيرة أصابها المؤمن بجهالة، وبادر إلى التوبة منها فكانت مذكّرة له بضعفه البشرى، ودليلا على أن للغضب سلطانا عليه- تكون دون صغيرة يقترفها مستهينا بها مصرّا عليها مستأنسا بها، فتزول من نفسه هيبة الشريعة، ويتجرأ بعد ذلك على ارتكاب الكبائر فيكون من الهالكين،
وقد رووا حديث «ما أصر من استغفر وإن عاد فى اليوم سبعين مرة»