وعادة العرب أن يأتوا بهذا الجنس من الاستفهام توكيدا، فلما قال ولا تهنوا ولا تحزنوا، كأنه قال: أفتعلمون أن ذلك واقع كما تؤمرون، أم تحسبون أن تدخلوا الجنة من غير مجاهدة ولا صبر.
وإنما استبعد هذا لأن الله تعالى لما أوجب الجهاد قبل هذه الواقعة وأوجب الصبر على تحمل متاعبه، وبين وجوه المصالح فيه فى الدين والدنيا كان من البعيد أن يظن الإنسان أنه يصل إلى السعادة والجنة مع إهمال هذه الطاعة اه بتصرف.
وجهاد النفس على أداء حقوق الله وحقوق العباد مما يشقّ عليها احتماله، ويحتاج إلى مجاهدتها وترويضها حتى تذلل ويسهل عليها أداء تلك الحقوق، وربما فضل هذا الجهاد جهاد الأعداء فى ميدان القتال وخوض غمار الوغى وأصعب من هذا وأشق دعوة الأمة إلى خير لها فى دينها ودنياها، أو بث فكرة صالحة تغير بعض أخلاقها وعاداتها، أو مقاومة بدعة فاشية بين أفرادها، فإنها تجد مقاومة من الخاصة، بله العامة، فتراهم يرفعون راية العصيان فى وجه الداعي، ويشاكسونه بكل الوسائل، ولا سيما إذا تعلق بتغيير بعض عادات مرنوا عليها جيلا بعد جيل، ووجدوا من أشباه العلماء من يؤازرهم ويناصرهم فى باطلهم.
وكثيرا ما يحدث للداعى التلف والهلاك، أو ثلم العرض، أو الإخراج من حظيرة الدين.
(وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) هذا خطاب لمن شهد من المسلمين وقعة أحد.
ذاك أن كثيرا من الصحابة وبعضهم لم يشهد بدرا- كانوا يلحّون فى الخروج إلى أحد حيث عسكر المشركون ليكون لهم يوم كيوم بدر، ويتمنون أن يلقوا الأعداء ويصيبوا من الخير مثل ما أصاب أهل بدر.