إلى الخضوع والتسليم أوّلا بقوله:(إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) ثم بالدليل ثانيا بأن علم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة.
(٣) أن الله جلّت قدرته رضى لخلقه أن يسألوه عما خفى عليهم من أسراره فى الخليقة، والسؤال كما يكون بالمقال يكون بالحال بالتوجه إلى الله أن يفيض عليهم العلم بمعرفة ما أشكل عليهم.
(٤) تسلية النبي صلى الله عليه وسلم عن تكذيب المشركين له ومحاجتهم بلا برهان يستندون إليه- بأنه لا بدع في ذلك، فالملائكة طلبوا الدليل والبرهان من ربهم فيما لا يعلمون، فالأنبياء يجدر بهم أن يصبروا على المكذبين ويعاملوهم كما عامل الله الملائكة المقربين، ويأتوهم بالبراهين الساطعة، والحجج الدامغة.
(ب) رأى المتأخرين منهم- وهو تأويل ما اشتبه علينا من قواعد الدين، لأنها إنما وضعت على أساس العقل، فإذا ورد في النقل شىء يخالف حكم العقل، حمل النقل على غير الظاهر منه بتأويله حتى يتفق مع حكم العقل.
وعلى هذا- فالقصة وردت مورد التمثيل ليقرّبها سبحانه من أذهان خلقه بإفهامهم حال النشأة الآدمية وما لها من ميزة خاصة- بأن أخبر ملائكته بأنه جاعل في الأرض خليفة- فعجبوا وسألوه بلسان المقال إن كانوا ينطقون، أو بلسان الحال بالتوجه إليه تعالى أن يفيض عليهم المعرفة- كيف تخلق هذا النوع ذا الإرادة المطلقة والاختيار الذي لا حد له، وربما اتجه بإرادته إلى خلاف المصلحة والحكمة، وذلك هو الفساد، فألقى عليهم بطريق الإلهام وجوب الخضوع والتسليم لمن هو بكل شىء عليم، فما يضيق عنه علم أحد يتسع له علم من هو أعلم منه، وهذا جواب ربما لا يذهب بالحيرة، ومن ثمّ تفضل على الملائكة وأبان لهم الحكمة في خلق هذا النوع، فعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة، فعلموا أن في فطرة هذا النوع استعدادا لعلم ما لم يعلموا، وأنه أهل للخلافة في الأرض، وأن سفك الدماء لا يذهب بحكمة الاستخلاف وفائدته.