للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي فلا تخافوا أولئك الأولياء، ولا تحفلوا بقولهم (فَاخْشَوْهُمْ) فتخافوهم، بل خافونى فى مخالفة أمرى، لأنكم أوليائى وأنا وليكم وناصركم إن كنتم راسخى الإيمان قائمين بحقوقه، فإن من حقه إيثار خوف الله تعالى على خوف غيره، والأمن من شر الشيطان وأوليائه.

وخلاصة ذلك- إنه إذا عرضت لكم أسباب الخوف، فاستحضروا فى نفوسكم قدرة الله الذي بيده كل شىء، وهو يجير ولا يجار عليه، وتذكروا وعده بنصركم، وإظهار دينكم على الدين كله، وأن الحق يدمغ الباطل فإذا هو زاهق، واذكروا قوله: «كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ» ثم خذوا أهبتكم، وتوكلوا على ربكم فإنه لا يدع لخوف غيره مكانا فى قلوبكم.

وفى هذه الآية من العبرة:

(١) إن صادق الإيمان لا يكون جبانا، فالشجاعة وصف للمؤمن، لا يبلغ غيره فيها مداه، إذ أن العلة الحقيقية للجبن هى الخوف من الموت والحرص على الحياة، وقلب المؤمن لا يتسع لهما.

ولا يزال العالم اليوم يشهد شجاعة الجيوش الإسلامية مع ما منى به المسلمون من ضعف فى إيمانهم، وجهل بكثير من شئون دينهم.

(٢) إن فى استطاعة الإنسان أن يقاوم أسباب الخوف، ويعوّد نفسه الاستهانة بها بالتمرين والتربية وتعوّد الإقدام إذا عرضت له تلك الأسباب.

(٣) إذا عرضت له أسباب الخوف فعليه ألا يسترسل لها حتى لا يتمكن أثرها فى نفسه، وتتجسم صورتها فى خياله، بل يغالبها بصرفها عن ذهنه، وشغله بما يضاده ويذهب بآثارها، أو يتبدلها بآثار مناقضة لها، وهذا يدخل فى اختيار الإنسان، وهو الذي نبط به التكليف.

<<  <  ج: ص:  >  >>