وكلنا نشعر إذا هممنا بأمر فيه وجه للحق أو للخير، ووجه للباطل أو للشر، بأن فى نفوسنا تنازعا وكأنّ الأمر قد عرض على مجلس للشّورى، فواحد يقول افعل وآخر يقول لا تفعل حتى ينتصر أحد الطرفين على الآخر، فهذا الذي أودع في نفوسنا ونسميه قوة وفكرا هو في الحقيقة معنى لا ندرك كنهه، ولا يبعد أن نسميه أو نسمى سببه ملكا، انتهى كلامه ملخصا.
قال الأستاذ الإمام محمد عبده: فإذا جرينا على هذا التفسير فليس ببعيد أن تكون فى الآية إشارة إلى أن الله لما خلق الأرض ودبّرها بما شاء من القوى الروحانية التي بها قوامها، وجعل كل صنف من القوى مخصوصا بنوع من المخلوقات لا يتعداه، خلق الإنسان وأعطاه قوة بها يتصرف في جميع القوى ويسخّرها في عمارة الأرض، وهذا التسخير هو المعبر عنه بالسجود الذي يفيد معنى الخضوع، وبهذه القوة التي لاحد لها جعله الله خليفة في أرضه، لأنه أكمل الموجودات، واستثنى من هذه القوى قوّة واحدة تميل بالكامل إلى النقص، وتصده عن عمل الخير، وتنازع الإنسان في صرف قواه إلى المنافع والمصالح التي تتم بها خلافته، تلك القوة ضلّلت آثارها قوما فزعموا أن فى العالم إلها يسمى إله الشر، وما هى بإله ولكنها محنة إله لا يعلم أسرار حكمته إلا هو، تلك القوة هى المعبر عنها بإبليس.
ولو أن نفسا مالت إلى قبول هذا التأويل لم تجد في الدين ما يمنعها من ذلك، والعمدة على اطمئنان القلب وركون النفس إلى ما أبصرت من الحق، انتهى كلامه رحمه الله (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) أي سجد الملائكة جميعا إلا إبليس.
وللعلماء في حقيقة إبليس رأيان:
أحدهما أنه كان جنيّا واحدا بين أظهر الألوف من الملائكة مغمورا بهم متصفا بصفاتهم، ودليل ذلك قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا