والزمن القريب: هو الوقت الذي تسكن به ثورة الشهوة أو تنكسر به حدة الغضب ويثوب فاعل السيئة إلى حلمه ويرجع إليه دينه وعقله، إذ من كان قوىّ الإيمان لا تقع منه المعصية إلا عن بادرة غضب أو شهوة هفوة بعد هفوة، ثم لا يلبث أن يبادر إلى التوبة ومن ثم ذكر الله السوء بلفظ الإفراد هنا، وقال فيمن لا تقبل توبتهم (يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) إشعارا بأن التوبة إنما تقبل ممن تقع منهم الذنوب آحادا ويلمّون بها إلماما، ولكنهم لا يصرّون عليها بل يبادرون إلى التوبة منها، فلا تتمكن من أنفسهم ظلمة المعصية ولا تحيط بهم الخطيئة.
وما
رواه أحمد عن ابن عمر من قوله صلى الله عليه وسلم «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر»
فالمراد منه أنه لا ينبغى لأحد أن يقنط من رحمة الله وييأس من قبول التوبة مادام حيا، وليس معناه أنه لا خوف على العبد من التمادي فى الذنوب إذا هو تاب قبل الموت بساعة، فان هذا مخالف لهدى الدين فى مثل قوله:«وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) ولمثل قوله: «رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ» .
وقد قسموا التوابين طبقات:
(١) من هو سليم الفطرة عظيم الاستعداد للخير، فهو إذا وقع فى خطيئة مرة كان له منها أكبر عبرة، فيندم بعدها ويحمل نفسه على الفضيلة ويصرفها عن كل رذيلة.
(٢) من تكون داعية الشهوة أقوى فى نفسه وأرسخ فى قلبه، فإذا أطاع نفسه وارتكب معصية قامت الخواطر الإلهية تحاربه وتوبخه حتى تنتصر عليه وتقهره قهرا تاما فلا يعود بعدها إلى اجتراح إثم ولا وقوع فى ذنب.
(٣) من تقوى نفسه بالمجاهدة على اجتناب كبار الإثم والفواحش، لا على صغار الذنوب والآثام وهناك تكون الحرب فى نفوسهم سجالا بين ما يلمّون به من الصغائر وبين الخواطر الإلهية التي هى جند الإيمان.