واتبعت هواها وجعلت حظها من الدين مجموع حركات لسانية وبدنية لا تهذب خلقا ولا تصلح عملا ولا تمنع النفس من التمتع بشهواتها، وقد اتبع كثير من المسلمين سنن من قبلهم وحذوا حذوهم شبرا بشبر وذراعا بذراع.
وبعد أن بين حال من تقبل توبتهم، ذكر حال أضدادهم الذين لا تقبل منهم التوبة فقال:
(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) أي إن سنة الله قد مضت بأن التوبة لا تكون للذين يعملون السيئات منهمكين فيها إلى حضور الموت، وصدور ذلك القول منهم، لأن هؤلاء قد أحاطت بهم خطيئاتهم ولم تدع للأعمال الصالحة مكانا فى نفوسهم، فهم أصروا عليها إلى أنّ حضرهم الموت ويئسوا من الحياة التي يتمتعون بها، وحينئذ يقول أحدهم: إنى تبت الآن وما هو من التائبين بل من المدّعين الكاذبين.
والخلاصة- إن التوبة لمثل هؤلاء ليست مقبولة حتما، فأمرهم مفوض إلى الله تعالى وهو العليم بحالهم، وحديث قبول توبة العبد ما لم يغرغر أو تبلغ روحه الحلقوم- المراد منه حصول التوبة النصوح، بأن يدرك المذنب قبح ما كان قد عمله من السيئات ويندم على مزاولتها ويزول حبه لها بحيث لو عاش لما عاد إليها، وقلما يحصل مثل هذا الإدراك للمصرّ على السيئات المستأنس بها فى عامة أيام الحياة، وإنما الذي يحصل له إدراك العجز عنها واليأس منها وكراهة ما يتوقعه من قرب العقاب عليها عند الموت.
(وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) أي لا تقبل توبة لهؤلاء ولا لهؤلاء، وقد سوّى الله بين الذين سوّفوا توبتهم إلى أن حضر الموت وبين الذين ماتوا على الكفر فى أن توبتهم لا تقبل، فكما أن المائت على الكفر قد فاتته التوبة على اليقين، كذلك المسوّف إلى حضرة الموت، فكل منهما جاوز الحد المضروب للتوبة، إذ هى لا تكون إلا عند التكليف والاختيار.