أخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: كانت قريش بمكة ينكح الرجل منهم المرأة الشريفة فلعلها ما توافقه فيفارقها على ألا تتزوج إلا بإذنه، فيأتى بالشهود فيكتب ذلك عليها، فإذا خطبها خاطب فإن أعطته وأرضته أذن لها وإلا عضلها، وكثيرا ما كانوا يضيقون عليهن ليفتدين منهم بالمال.
(إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) أي لا تعضلوهن فى أي حال إلا فى الحال التي يأتين فيها بالفاحشة المبينة دون الظنة والشبهة، فإذا نشزن عن طاعتكم وساءت عشرتهن ولم ينفع معهنّ التأديب، أو تبين ارتكابهن للزنا أو السرقة أو نحو ذلك من الأمور الفاحشة الممقوتة عند الناس، فلكم حينئذ أن تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من صداق وغيره من المال، لأن الفحش قد أتى من جانبها، وإنما اشترط فى الفاحشة أن تكون مبينة: أي ظاهرة فاضحة لصاحبها، لأنه ربما ظلم الرجل المرأة بإصابتها الهفوة الصغيرة أو بمجرد سوء الظن والتّهمة فمن الرجال الغيور السيّء الظن الذي يؤاخذ بأتفه الأمور ويعده عظيما، وإنما أبيح للرجل أن يضيق على امرأته إذا أتت بهذه الفاحشة المبينة، لأنها ربما كرهته ومالت إلى غيره، فتؤذيه بفاحش القول أو الفعل ليملها ويسأم معاشرتها فيطلقها فتأخذ ما كان أعطاها وتتزوج غيره وتتمتع بمال الأول، وربما فعلت مع الثاني ما فعلت مع الأول، فإذا علم النساء أن العضل والتضييق بيد الرجال ومما أبيح لهم إذا هنّ أهنّهم، فإن ذلك يكفهن عن ارتكابها والاحتيال بها على أرذل أنواع الكسب.
(وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أي وعليكم أن تحسنوا معاشرة نسائكم فتخالطوهنّ بما تألفه طباعهن ولا يستنكره الشرع ولا العرف، ولا تضيقوا عليهن فى النفقة ولا تؤذوهن بقول ولا فعل ولا تقابلوهن بعبوس الوجه ولا تقطيب الجبين.
وفى كلمة (المعاشرة) معنى المشاركة والمساواة أي عاشروهن بالمعروف وليعاشرنكم كذلك، فيجب أن يكون كل من الزوجين مدعاة لسرور الآخر وسبب هناءته وسعادته