فإذا انتفى هذا المقصد انحصرت الداعية الفطرية فى سفح الماء وصبه، وذلك هو البلاء العام الذي تصطلى بناره الأمة كلها، فإن بعض الدول الأوربية التي كثر فيها السفاح وقل النكاح بضعف الدين وقف نموها وقل نسلها وضعفت حتى اضطرت إلى الاعتزاز بمخالفة بعض الدول الأخرى.
والاسترقاق المعروف فى هذا العصر فى بلاد السودان وبلاد الحجاز وبلاد الجراكسة غير شرعى، وهو محرم لأن أولئك اللواتى تسترفقن حرائر من بنات المسلمين الأحرار، فلا يجوز الاستمتاع بهن بغير عقد النكاح، والإسلام برىء من كل هذا، (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) أي وأىّ امرأة من النساء اللواتى أحللن لكم، تزوجتموها فأعطوها الأجر، وهو المهر بعد أن تفرضوه فى مقابلة ذلك الاستمتاع.
وسر هذا أن الله لما جعل للرجل على المرأة حق القيام وحق رياسة المنزل الذي يعيشان فيه وحق الاستمتاع بها- فرض لها فى مقابلة ذلك جزاء وأجرا تطيب به نفسها ويتم به العدل بينها وبين زوجها.
والخلاصة- إن أي امرأة طلبتم أن تتمتعوا وتنتفعوا بتزوجها فأعطوها المهر الذي تتفقون عليه عند العقد، فريضة فرضها الله عليكم، وذلك أن المهر يفرض ويعين فى عقد النكاح ويسمى ذلك إيتاء وإعطاء، ويقال عقد فلان على فلانة وأمهرها ألفا كما يقال فرض لها ألفا، ومن هذا قوله تعالى:«وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً» وقوله:
«ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً» فالمهر يتعين بفرضه فى العقد ويصير فى حكم المعطى، وقد جرت العادة بأن يعطى كله أو أكثره قبل الدخول، ولكن لا يجب كله إلا بالدخول، فمن طلق قبله وجب عليه نصفه لا كله، ومن لم يعط شيئا قبل الدخول وجب عليه كله بعده.
(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) أي ولا تضييق عليكم إذا تراضيتم على النقص فى المهر بعد تقديره أو تركه كله أو الزيادة فيه، إذ ليس الغرض