والمعنى: يريد الله بما شرعه لكم من الأحكام أن يبين لكم ما فيه مصالحكم ومنافعكم، وأن يهديكم مناهج من تقدمكم من الأنبياء والصالحين، لتقتفوا آثارهم وتسيروا سيرتهم، فالشرائع والتكاليف وإن اختلفت باختلاف أحوال الاجتماع والأزمان كما قال «لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً» فهى متفقة فى مراعاة المصالح العامة للبشر، فروح الديانات جميعا توحيد الله وعبادته والخضوع له على صور مختلفة، ومآل ذلك تزكية النفس بالأعمال التي تقوم بها وتهذيب الأخلاق لتبعد عن سيىء الأفعال والأقوال.
(وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) أي ويريد أن يجعلكم بالعمل بتلك الأحكام تائبين راجعين عما كان قبلها من تلك الأنكحة الضارة التي كان فيها انحراف عن سنن الفطرة، إذ كنتم تنكحون ما نكح آباؤكم، وتقطعون أرحامكم، ولا تلتفتون إلى المعاني السامية التي فى الزوجية، من تقوية روابط النسب وتجديد قرابة الصهر، والسعادة التي تثلج قلوب الزوجين، والمودة والرحمة اللتين تعمر بهما نفوسهما.
(وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) فبعلمه المحيط بما فى الأكوان شرع لكم من الدين ما فيه مصلحتكم ومنفعتكم، وبحكمته لم يكلفكم بما يشق عليكم، وبما فيه الأذى والضرر لكم وبها يتقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات.
(وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) أي إنه تعالى بما كلفكم به من تلك الشرائع يريد أن يطهرّكم ويزكى نفوسكم فيتوب عليكم.
(وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً) متبعو الشهوات هم الفسقة الذين يدورن مع شهوات أنفسهم وينهمكون فيها، فكانها أمرتهم باتباعها فامتثلوا أمرها، فلا يبالون بما قطعوا من وشائج الأرحام، ولا بما أزالوا من أواصر القرابة، فليس مقصدهم إلا التمتع باللذة، أما اللذين يفعلون ما يأمر به الدين فليس غرضهم إلا امتثال أوامره، لا اتباع شهواتهم، ولا الجري وراء لذاتهم.