ولما كان المال عديل الروح وقد نهينا عن إتلافه بالباطل- كنهينا عن إتلاف النفس، لكون أكثر إتلافهم لها بالمغامرات لنهب الأموال وما كان متصلا بها، وربما أدى ذلك إلى الفتن التي ربما كان آخرها القتل، قال:
(وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) أي لا يقتل بعضكم بعضا، وعبر بذلك للمبالغة فى الزجر، وللإشعار بتعاون الأمة وتكافلها ووحدتها، وقد جاء فى الحديث «المؤمنون كالنفس الواحدة» ولأن قتل الإنسان لغيره يفضى إلى قتله قصاصا أو ثأرا، فكأنه قتل نفسه.
وبهذا علمنا القرآن أن جناية الإنسان على غيره جناية على نفسه، وجناية على البشر جميعا، لا على المتصلين به برابطة الدين أو الجنس أو السياسة كما قال تعالى:«مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً» كما أنه أرشدنا باحترام نفوس الناس بعدّها كنفوسنا- إلى أن نحترم نفوسنا بالأولى فلا يباح بحال أن يقتل أحد نفسه، ليستريح من الغم وشقاء الحياة، فمهما اشتدت المصايب بالمؤمن، فعليه أن يصبر ويحتسب ولا ييأس من الفرج الإلهىّ، ومن ثم لا يكثر بخع النفس (الانتحار) إلا حيث يقل الإيمان ويفشو الكفر والإلحاد.
(إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) أي إنه بنهيكم عن أكل الأموال بالباطل، وعن قتلكم أنفسكم، كان رحيما بكم، إذ حفظ دماءكم كما حفظ أموالكم التي عليها قوام المصالح واستمرار المنافع، وعلمكم أن تتراحموا وتتوادّوا ويكون كل منكم عونا للآخر، يحافظ على ما له ويدافع عن نفسه، إذا جد الجدّ، ودعت الحاجة إلى الدفاع عنه.
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً) العدوان هو التعدي على الحق، وهو يتعلق بالقصد بأن يتعمد الفاعل الفعل وهو عالم أنه قد تعدى الحق وجاوزه إلى الباطل، والظلم يتعلق بالفعل نفسه، بألا يتحرى الفاعل عمل ما يحل، فيفعل ما لا يحل والوعيد مقرون بالأمرين معا، فلا بد من قصد الفاعل العدوان، وأن يكون فعله ظلما حقا، فإذا وجد أحدهما دون الآخر لم يستحق الفاعل هذا التهديد الشديد، فإذا قتل الإنسان رجلا كان قد قتل أباه أو ابنه، فهنا قد وحد العدوان ولم يوجد الظلم، وإذا سلب