ولما كانت الصلاة فريضة موقوتة لا هوادة فيها لأنها تذكّر المرء ربه وتعدّه للتقوى، وكان الاغتسال من الجنابة يتعسر فى بعض الحالات ويتعذر فى بعضها الآخر، رخص سبحانه لنا فى ترك استعمال الماء والاستعاضة عنه بالتيمم، فقال:
(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) المراد بالمرض المرض الذي يخاف زيادته باستعمال الماء كبعض الأمراض الجلدية والقروح كالحصبة والجدرىّ أو نحو ذلك، والسفر يشمل الطويل والقصير، والمراد بالمجيء من الغائط الحدث الأصغر بخروج شىء من أحد السبيلين (القبل والدبر) وملامسة النساء: غشيانهن.
ففى هذه الحالات (المرض. السفر. فقد الماء عقب الحدث الأصغر الموجب للوضوء والحدث الأكبر الموجب للغسل) اقصدوا وتحروا صعيدا طيبا: أي وجها طاهرا من الأرض لا قذارة فيه ولا أوساخ، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ثم صلّوا.
والخلاصة- إن حكم المريض والمسافر إذا أرادا الصلاة كحكم المحدث حدثا أصغر أو ملامس النساء ولم يجد الماء فعلى كل هؤلاء التيمم فقط قاله الأستاذ الإمام.
لكن المعروف فى المذاهب الأربعة أن شرط التيمم فى السفر فقد الماء فلا يجوز مع وجوده، وهذا بخلاف ظاهر الآية.
ومن تأمل فى رخص السفر التي منها قصر الصلاة وإباحة الفطر فى رمضان لا يستنكر أن يرخص للمسافر فى ترك الغسل والوضوء مع وجود الماء وهما دون الصلاة والصيام فى نظر الدين، فالمشاهد أن الوضوء والغسل يشقان على المسافر الواجد للماء فى هذا الزمان الذي سهلت فيه وسائل السفر فى السكك الحديدية والبواخر، فكيف تكون المشقة للمسافرين على ظهور الإبل فى مفاوز الحجاز وجبالها، فأشق ما يشق فى السفر الغسل والوضوء وإن كان الماء حاضرا مستغنى عنه، ففى البواخر يوجد الماء وتوجد الحمامات للاغتسال بالماء الساخن والماء البارد ولكنها خاصة بالأغنياء الذين يركبون فى الدرجة