للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم تذكر له رحلة. حدثنا أبو حارث: كان صدر المفتين وأرواهم وأفقههم في تلك المعاني. قال ابن عفيف: كان مقدّمًا في الشورى، أفقه أهل عصره، وأبصرهم بالفتيا، وعليه مدار طلاب العلم، وعليه تفقه محمد بن زرب القاضي. وكان أخفش العينين ضعيف البصر، وأفرط عليه آخر عمره، حتى كان لا يستبين الكتاب في أيام المناظرة. فكان ابن زرب يلقي عنه، ويمسك الكتاب. وذكره محمد بن عبد الرؤوف الكاتب في كتابه، فقال: كان فقيهًا حافظًا متفننًا في العلوم، غزير العلم، كثير الرواية، جيد القياس، صحيح الفطنة، عالمًا بالاختلاف، حافظًا للغة، بصيرًا بالغريب والعربية، شاعرًا حسن القريض، متصرفًا في أساليبه، راوية له، مميزًا به. رغب عن الشعر ونكب عنه، الى التبحر في علم الفقه، وعلم السنّة. فأكثر شعره في الزهد والوعظ والمكاتبات. وذكره في طبقات شعراء الأندلس. وسئل خالد بن سعيد يومًا عن مسألة عويصة، فقال للسائل: عليك بأبي بكر اللؤلؤي، فإليه تأتي هذه الأحمال الكبار، وإما تأتينا المحتملات، ونسمع. وكانت فيه دعابة، يستعملها حتى أن شواطر النساء كن يكتبن إليه بالمسائل من المجون، يتعرضن بها إليه، فيجيبهن ويتخلص، ويندر فيهن. أتته

امرأة بسؤال فيه: ما تقول يرحمك الله في امرأة وعدت ثم أخلفت، ما يجب عليها؟ فكتب بأسفل كتابها: أساءت حين وعدت، وأحسنت حين أخلفت. وكتب في بعض أيام الشتاء، الى محمد بن مسرة، وكان من وجوه تلامذته، يستدعيه للمذاكرة:

هلم إن اليوم يوم دجن … الى محل مثل الضمير المكن

ساكنه كطائر في وكن … لعلنا نحكم أدنى فن

<<  <  ج: ص:  >  >>