في آخر عمره لا يفتي بالتدمية، ولا يقول به، لقصة غريبة جرت له مع بعض جيرانه بالبادية. وذلك أن جارًا له كان له حقل، مُداخِلٌ لحقل اللؤلؤي، يكرم عليه، ويود لو جمعه لحقله. فلا يزال اللؤلؤي يسأل صاحبه أن يبيعه منه. أو يعاوضه منه بكل حيلة، فلا يجيبه، الى أن اعتلّ صاحب الحقل، فعاده اللؤلؤي. فأظهر الرجل من السرور بعيادته والشكر له ما أطمعه في قضاء حاجته. فكلمه في ذلك ورغب إليه في تصييره له، فأظهر له الإسعاف بذلك وقال له: أحضر من شئت من الفقهاء أشهدهم على بيعي منك إياه، الى أن أستقل، فتبلغ ما تحبه، فسرّ بذلك. فقال له: فأجئ بالثمن، فقال الرجل سبحان الله يا فقيه، على مثلها من الحال، أقبض مالًا؟ لو كان عندي مال لأودعتكه، وكنت أحرز له من ذريتي. فسرّ بقوله وطمع فيه. وانطلق فجاء بعدة من الفقهاء أصحابه، فأدخلهم عليه. فإذا به قد أظهر انهداد قوته، وضعف منطقه. فدنا الفقيه منه، فقال: يا فلان أشهد الفقهاء - حفظهم الله - ببيعك مني. قال: أشهدكم أن الفقيه اللؤلؤي قاتلي، قاصدًا متعمدًا لقتلي. وأنه المأخوذ بدمي. فإن حدث بي حدث الموت استقيدوا لي منه. فإن دمي في عنقه، وأنتم رهناء بالصدق عني، فدهش اللؤلؤي، وقام على الرجل يستثبته، ويذكره بما جرى بينهما. ويخوّفه الله. وسلك أصحابه الفقهاء في ذلك سبيله. فلا يرجع عن ذلك، ويقول: ما أشهدكم إلا على ما كان. ولقد تناولني بيده بعد لسانه، والله سائلكم إن تكتموها. فلما لم يجدوا فيه حيلة، خرجوا عنه. فسألهم اللؤلؤي أن يتفرقوا قليلًا، حتى يخلو به، ففعلوا، فانفرد به. فطفق يعذله ويقول له: الى هنا انتهت بك الحال، حتى تعصى الله فيّ، وتدعي عليّ بغير الحق. فقال له: وهل قلتُ إلا ما فعلت؟ دخلتَ عليّ،