للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير كسوته لمهنته، لا يلبسها لغير الصلاة. وكذلك آنيته التي يشرب منها، ويتوضأ، مجنبة عن غيرها، لا يشارك فيها، في أغشية يخبؤها. وكان قد هيأ لكل شيء من الآلة غطاء، ولا يركب دابة إلا معقودة الذيل، حذرًا من شيء يعلق به، مسرفًا في التحفظ من ذلك. وابتلي مرة بامرأة غسلت نجاسة من فوق غرفة وهو مجتاز، فأصابته ولوثت ثيابه، فرجع الى منزله مقذوعًا قفاه كثيرًا. وخلع الثياب واغتسل، وبدل كسوته، وأمر بغسل كسوته تلك وبيعها والبراءة مما أصابها، وتصدّق بثمنها شكرًا لله، إذ وقى جسمه مباشرة تلك النجاسة. وعاده مرة من مرض اعتراه حسرامي الكاتب

اليهودي. فلما استأذن عليه، انزعج الشيخ لذلك. وتقدم في قلب فرش بيته، وكشف الطريق إليه، ودعا بدفة باب الكنيف، ووضعت بين يديه، ليجلس عليها، وأبطأ عن اليهودي الإذن، الى أن هيئ ذلك كله. فلما رأى الهيئة حدس بفطنته، على ما أراده، فتوقف عن دخول البيت، واكتفى بالسؤال والدعاء إظهارًا لإعظام الشيخ، ثم انصرف، ولم يستجلسه. ومن فضائله المشهورة أن الناصر أخذته الجمعة يومًا بقرطبة، أيام تولي ابن المشاط الخطبة - وكان مطيلًا لها - فلما خرج الناصر للصلاة دعا وزيره أبا عثمان بن ادريس، وأوصى إليه أن يذكّر ابن المشاط في تخفيف الخطبة، ففعل، وألطف له القول، وقال له: إن الناصر يجد صداعًا في رأسه، هو الذي أمسكه عن الحركة الى الزهراء، ورأى أنه في حرج عن التخلف عن الجمعة. فهو يريد عونه عليها بالتخفيف عنه، والرفق به. فقال له: سمعت قولك، والله الموفق لما يُزلف منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>