للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما انقضى الأذن، وخرج الناصر الى مصلاه جانب المنبر، قام ابن المشاط للخطبة، فترسّل في منطقه، واحتفل في افتتاحه وتحميده، والصلاة والسلام على رسوله، ثم أخذ في الوعظ على عباد الله، وروى في الحديث أنه يختبر يوم القيامة، أنعم الناس في الدنيا، وأشدهم بلاءً. فيغمس المتنعم في نهر من أنهار جهنم، ثم يخرج منه، فيقال: هل رأيت خيرًا قط. ويؤتى بالمبتلى، فيغمس في نهر من أنهار الجنة، ثم يخرج، فيقال: هل رأيت بؤسًا قط؟ فيقول: لا ما رأيت بؤسًا قط. وحشد أمثال هذا وأطال، وزاد، فبكى وأبكى الناس، حتى قام في الجامع شبه المأتم من البكاء والشهيق. قال ابن ادريس: وأبلست وامتلأت غيظًا. فلا أدري أكثر ما قال. وخفت أن يظن الناصر أني لم أؤدّ الرسالة. فلما تمت الصلاة، ودخل الناصر الى مكانه بالساباط، وأذن للوزراء، فدخلوا وأنا معهم، فدعا بصاحب الصلاة، استربت. فلما وقعت عينه عليه، بشّ له. ورفع منزلته. فسري عني، فأقعده الناصر، وأقبل يثني عليه، ويكبر مشهده،

وأنه ما شهد قط مثله، وأنه يرجو بركته، لما أدركه من الخشوع والبكاء والندم، وأنه متقرب الى الله تعالى بألف دينار من طيب ماله، شكرًا لحضور هذا المشهد، وأنه يرسل بها الى ابن المشاط، يجعلها حيث رأى من سبل الخير، وانصرف عنه، فوصل إليه الوزير ابن ادريس آخر النهار بها، وقال له: كنت أحوطَ لدينك، فكرم الله مقامك. فقال له ابن المشاط: يا وزير، اعمل ما شئت، ويكون عملك لله، فلن ترى إلا خيرًا ضمانًا عليه. وكانت فيه غفلة الصالحين. فكان إذا سمع الباعة يصيحون على سلعهم، ويصفونها بغاية الجودة، يقول لمن معه: لا تقبلوا منهم. فإن أكثر ما يقولون كذب. قد خدعوني بمثله. وكان يقول في حديث النبي وحراسة سعد له، إن النبي ، كان لا يخاف شيئًا. ولكن أراد

<<  <  ج: ص:  >  >>