للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مرتين، إحداهما عند وفاة ابن زرب والأخرى عند عزل ابن برطال بعدها فأبى من ذلك في المرتين أشد إباء، وأغلظ القسم ألا يلي القضاء ولا شيئًا من الأحكام أبدًا، وهو الذي أسند إليه الحكم تأليف كتاب الاستيعاب الذي قدمنا ذكره، مع أبي بكر المعيطي. قال ابن حيان، وكان في أول حاله لم يأخذ نفسه بتثقيف علم اللسان فراغت في فتاويه غرائب من لحنه، بقاها عليه أصحابه ثم فطن لنفسه، فأشاع ذكر مرض حبس نفسه فيه شهرًا عاكفًا على كتاب سيبويه، فخرج مكتفيًا من علم النحو لقوة حفظه وتقرب فهمه، فصلحت حالاته. وكان مما أعانه على سعة المطالعة، أنه تخير هو وقوم من الفقهاء صدر خلافة هشام أيام ابن أبي عامر لامتحان خزانة العلم، وتفتيش ما يعرض فيها من آلاته وردها الى مواضعها مرتبة الى أشكالها، معهم من الفتيان طائفة يتولون ذلك بين أيديهم، فاستجاب أبو عمر لما كلف من ذلك، على بعده من الالتباس بعمل السلطان، لما رجا في ذلك من المطالعة للغرائب، التي جلبها الحكم، واقتدر منها على ما لم يقدر عليه سواه، مما كان أبو عمر يتشوق إليه، فرغب أبو عمر الى أصحابه أن يعفوه من مباشرة ما اشتغلوا به من التأليف، ويتركوه والمطالعة، فاستوسع في ذلك وطالت مدة عملهم في ذلك، لكثرة هذه الكتب، ووفور خزانتها حولًا كاملًا وفوقه، فحصل للشيخ من ذلك ما أمله، وكان عظيم التذكر، حسن الحفظ، بطيء النسيان،

وكان يتكلم عنده يوم الإثنين في الموطأ، وما شاكله، ويوم الثلاثاء في المدونة والمستخرجة وما جانسهما، فكان النبلاء من أصحابه كابن الشفاء، وابن دحون وأمثالهما من الأكياس والحفاظ، يتظاهرون عليه، لينشروا حفظه، فإذا جرت المسألة وأمعن القول فيها الى أبي عمر وترجيحه،

<<  <  ج: ص:  >  >>