بدر كلٌّ من أولئك الحفاظ الى ما يغرب من قولة شاذة، فينصت أبو عمر الى كل ما يقوله كل منهم، حتى يستوفي كلامهم. ثم يرد على كل واحد فيما أغرب به، ويفصل له أمكنته ونسبته الى قائله. ويذكر الاختيار من ذلك من قول الأصحاب كأنما ينظر في صحيفة، ثم يجرد إثر ذلك هو اختياره فيريهم العجب، من كل فعله. ومن غرائب فتاويه ونزعاته ﵀، كان أبو عمر لكثرة حفظه، وقوة درايته، لا يبطئ بالفتاوي ولا يطيل حسبما عند نفسه، بل يجيب لوقت أو يومه، ومن نوادر ما أفتاه أبو عمر فتواه في امرأة حرة بقرطبة، لها ابنة مملوكة صبية باعها مولاها من رجل يخرجها عن قرطبة، فشكت أمها ذلك فأفتى بمنعه من إخراجها وبيعها على مشتريها، وخالفه في ذلك القاضي ابن زرب وغيره من الفقهاء، فأخذ فيها ابن أبي عامر بقول أبي عمر. ومنها مسألة وقعت ببلدنا بسبتة وهي إذ ذاك من عمل صاحب الأندلس، وذلك أن الفقيه يحيى بن تمام من أهلها، اشترى حصة من حمّام فيه شرك، وأشهد البائع لابن تمام في الظاهر أنه تصدق به عليه، ليقطع شفعة الشريك، فقام الشريك بشفعته، فأفتى الفقهاء بها إذ ذاك كلهم بقطع الشفعة، إذ لا شفعة في الصدقة. فقال الشفيع للقاضي: لا أرضى إلا بفتوى فقهاء الحضرة بقرطبة. فرفع إليهم السؤال على وجهه، وبدأ بالشيخ أبو عمر فوقع أسفلها: هذا من حيل الفجار، وأرى الشفعة واجبة. فلما رأى ابن تمام جوابه، قال: هذا عقاب لا يطار تحت جناحه، والحق خير ما قيل، هات مالي وخذ حمامك. ومن غرائب فتاويه التي زاحم فيها ابن أبي عامر، قصة عبد الملك بن منذر البلوطي وكان