الرد بقرطبة وكان من صنائع الحكم، فلما تغلب ابن أبي عامر على الأمر واتخذ لنفسه صنائع، وحجر على هشام الأمير وهويت قلوب الناس إليه فكانوا يتربصون به الدوائر، واجتمع جماعة من وجوه الناس على النكث بهذه الطبقة المستغربة، والبطش بهذا الخليفة المستضعف، والبطش بابن أبي عامر وقتله، والقيام بغيره. وكان ابن منذر المتولي لكبر القصة فوقع ابن أبي عامر على الخبر وعلى كتاب بخط ابن منذر في القصة، وجمع الفقهاء والقاضي ابن زرب للشورى في أمرهم. وقد أقر ابن منذر بالأمر على نفسه، وأن الكتاب خطه. فأفتى بعض الفقهاء فيهم بحكم المحاربة، لما سعوه من الفساد في الأرض. وتوقف آخرون، منهم القاضي وألحّ ابن أبي عامر، على أبي عمر ابن المكوى واضطره الى القول فيها. فقال: ما أرى عليه شيئًا، هو رجل همّ بمعصية فلم يفعلها. ولم يجرد سيفًا، ولا أخاف سبيلًا. إنه ممن قال فيه ﷺ: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم. فخرج أمر السلطان بعد ذلك بطلب ابن المنذر، فنفذ ذلك في الحين وانقبض ابن المكوى في داره، وادعى مرضًا نحوًا من شهرين فلم يفتِ أحدًا، ولا خرج لمن أتاه، إنكارًا لما جرى على صاحبهم، ابن المنذر. وإذ لم يؤخذ فيه برأيه وتوقعًا لشر ابن أبي عامر، الى أن تقادم العهد وخشي زيادة وحشة ابن أبي عامر، فعاد لحاله. ومن غرائب ذكائه وتلطفه، أن بعض الحكام وجه الى امرأة معها بنية تطلب فرضها من أبيها، والرجل ينكر أن تكون ابنته، فلم يزل به يعظه، ويخوفه، ويستلطفه، ولا تنفعه رأفة فيه، وكانت عادته الصبر في مثل هذا. الى أن أخذ أبو عمر الطفلة، وكانت حسنة الصورة،