وهي طويلة، تشكى فيها للمنصور، مدحه، وتلطفه، فدس فيه الوتد - عدوه - بيتًا في ذم القاضي ابن زرب أحفظه، وكان يقول: لو كنت شاعرًا لأجبته. فأجابه الوتد على لسانه في الروي والقافية، ناقضه فيها وأفحش له. ويقال إن ابن أبي
عامر لم يهنى عليه ما بلغ منه، ولكنه استحيى قاضيه ابن زرب، ولم يمكنه من الحمية، واستأذن للحج فأذن له فرحل وقضى فرضه. واجتمع في طريقه هذا بجماعة من علماء الأمصار، فاعترفوا بفضله. وذكر في كتابه وجرت له معهم أثناء ذلك قصص من هنياته. فيحكي أنه سأل أبا محمد ابن أبي زيد ﵀، بالقيروان يومًا عن صلاة الناس بصلاة الإمام على قعيقعان وأبي قبيس، فأجابه بالجواب المنصوص في المسألة، أنه لا يجوز، فسأله من قال هذا، أو كيف قال؟ فاحتج له بنص المسألة في المدونة وكررها. فقال له: إنما وقعت مسألة المدونة، إذا صلى المأموم هنالك بصلاة الإمام في الحرم. ولم أسألك عن هذا، وإنما سألتك عن مسألة إذا كان الإمام والمأموم جميعًا هنالك، وهذا ما لا يخالف فيه أحد ولا يمنعه. ففطن الشيخ لما أراد من تعنيته، وأضرب عن كلامه في المسألة، إذ لم يظن هذا. وإنما أجابه عن المسألة المعروفة. ثم انصرف الى الأندلس. وقد مات ابن زرب، وقد كملت خصاله، ونقصت شكاسة خلقه، وكبر منه، واعتدلت حاله، فلاطف ابن أبي عامر فانفسح له، ورحب به فحكي أنه قال يومًا لأهل مجلسه، إثر خروج ابن العطار: إني لأستحي من هذا الرجل، ولوددت لو تهيأ صرفه لحاله، وإباحة المسلمين الانتفاع به. فقال له بعضهم: وما يمنع من ذلك إذا أردته. قال: وكيف يحل تسجيل