للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحضور عنده. ثم عزموا على ذلك. قالوا إنه لا يجمل بنا التخلف عن مثله، فأسخطوا شيخهم حتى يحكى أنه دعا عليهم، وهجرهم. وجرت بالقيروان مسألة في الكفار، هل يعرفون الله أو لا؟ فوقع فيها تنازع عظيم بين العلماء. وتجاوز ذلك الى العامة، وكثر التمادي بينهم، حتى كان يقوم بعضهم الى بعض في الأسواق، ويخرجون عن حد الاعتدال الى القتال. وكان المتهجم بذلك رجل مؤدب يركب حماره، ويذهب من واحد الى آخر. فلا يترك متكلمًا ولا فقيهًا إلا سأله فيها وناظره. فقال قائل: لو ذهبتم الى الشيخ أبي عمران لشفانا من هذه المسألة. فقام إليه أهل السوق بجماعتهم، حتى أتوا باب داره واستأذنوا عليه، فأذن لهم. فقالوا له: أصلحك الله، أنت تعلم أن العامة إذا

حدثت بها حادثة، إنما تفزع الى علمائها. وهذه المسألة قد جرى فيها ما بلغك، وما لنا في الأسواق شغل إلا الكلام فيها. فقال لهم: إن أنصتّم وأحسنتم الاستماع أجبتكم إلا واحد، ويسمع الباقون. فقال له: أرأيت لو لقيت رجلًا فقلت له: تعرف الشيخ أبا عمران، فقال: نعم. فقلت: صفه لي، فقال: نعم. هو رجل يدرس العلم ويدرسه، يفتي الناس ويسكن بقرب السماط، أكان يعرفني؟ قال: نعم. قال: والأول ما كان يعرفني؟ قال: لا. قال لهم الشيخ: كذلك الكافر، إذا قال لمعبوده صاحبة، وولدًا، وأنه جسم، وقصد بعبادته مَن هذه صفته. فلم يعرف الله، ولم يصفه بصفاته. ولم يقصد بالعبادة إلا مَن هذه صفته، وهو بخلاف المؤمن الذي يقول إن معبوده: الله، الأحد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤًا أحد. فهذا قد عرف الله، ووصف بصفته. وقصد بعبادته من يستحق الربوبية سبحانه

<<  <  ج: ص:  >  >>