سبتة ينتصرون به، فأتاهم فبايعوه واجتمعوا عليه، وقاتلوا عبد المؤمن وهزموه، ثم كانت له الكرة عليهم، وهرب الصحراوي ثم أرسل يطلب الأمان من عبد المؤمن، فأمنه، فأتاه وبايعه وحسنت طاعته. فلما رأى ذلك أهل سبتة سقط في أيديهم وندموا على صنعهم وكتبوا ببيعتهم إلى عبد المؤمن فأتاه بها أشياخ المدينة وطلبتها تائبين فعفا عنهم، وأمر القاضي عياض بسكنى مراكش وأمر بهدم سور مدينة سبتة، فهدم. واجتمع القاضي ليلة بعبد المؤمن فوجده قد تغير عليه فاستعطفه بالمنظوم والمنثور حتى رق له، وعفا عنه، فلازم مجلسه إلى أن رده إلى حضرة مراكش بعد انصرافه عن القضاء (أي بمراكش) واحتال عبد المؤمن لقتله بعد أن ادعى عليه باليهودية، وأنه لا يخرج للناس يوم السبت لاشتغاله بإعداد كتاب الشفاء وقد قتله خنقاً في الحمام يوم الجمعة السابع من جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة، ورمي به في مكان ينزه قدره عنه، واستخرجه ابن البنا بعد أربعين سنة فوجده لم يتغير كفنه ولا جسده ودفنه في المكان المعروف بباب إيلان داخل السور بمراكش.
ولكن القاضي كان معروفاً بميله للدولة المرابطية وهو الذي قاد الثورة على الموحدين في سبتة كما مر، فلا يبعد أن يكون هذان العاملان هما اللذان سببا قتله. وما ادعي عليه باليهودية فهي أقوال الغوغاء العاملة في ركاب الموحدين إذاك، وكما قالوا: إن الملوك إذا حقدن فإن غوائلهم لا تؤمن.
وقد خلف القاضي عائلة علمية من أبنائه وأحفاده منهم: ابنه محمد وابنه عياض بن محمد وابنه محمد بن عياض بن محمد ابن القاضي أبي الفضل عياض اليحصبي. ترجم لهم ابن فرحون وكانت لهم مكانة علمية مرموقة إلا أن سمعة أبيهم عياض قد أحجبتهم ولم يصلوا في الواقع إلى ما وصل إليه أبوهم (١).