للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لي، فأكلنا وشربنا حتى ذهب بنا السكر، فانتبهت آخر السحر فأخذت العود أعبث به وأنشد:

ألم يأن لي منك أن ترحما … ونعصي العواذل واللوما

فإذا هو لايجبني إلى ما أريد. فلما تكررت عليه بذلك وإذا هو ينطق كما ينطق الإنسان: ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله. قلت بلى، يا رب. فكسرت

العود ومرقت النبيذ وجاءت التوبة بفضل الله بحقائقها، واقبلت على العلم والعبادة. وروي أن عبد الله ابن المبارك دخل الكوفة وهو يريد الحج، فإذا بإمرأة جالسة على مزبلة وهي تنتف بطة، فوقع في نفسه أنها ميتة، فوقف على بغلة وقال لها: ما هذه البطة أميتة أم مذبوحة؟ قالت: ميتة. قال فلم تنتفيها؟ قالت لآكلها أنا وعيالي. فقال لها يا هذه إن الله قد حرم عليك الميتة، وأنت في بلد مثل هذا. قالت، يا هذا انصرف عني. فلم يزل يراجعها الكلام وتراجعه إلى أن قال: وأين تنزلين من الكوفة؟ قالت قبيلة بني فلان. فقال لها وبأي شيء نعرف داركم؟ قالت ببني فلان. فانصرف عنها وسار إلى الخان، ثم سأل عن القبيلة فدلوه عليها. فقال لرجل لك عليّ درهم وتعال معي إلى الموضع. فمضى حتى انتهى إلى القبيلة التي ذكرت المرأة فقال للرجل: انصرف. ثم دنا إلى الباب فقرع الباب بمقرعة كانت معه، فقالت العجوز من هذا؟ فقال افتحي الباب ففتحت بعضه، فقال افتحيه كله. ففتحته كله. ثم نزل عن البغل ثم ضربه بالمقرعة فدخل البغل إلى الدار، ثم قال للمرأة: هذا البغل وما عليه من النفقة والكسوة والزاد فهو لكم، وأنتم منه في حل الدنيا والآخرة. ثم جلس ابن المبارك مختفيًا حتى رجع الناس من الحج، فجاءه قوم من أهل بلده يسلمون عليه ويهنئونه بالحج، فأقبل

<<  <  ج: ص:  >  >>