للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رجع إليها في عشرة آلاف أخرى أكثرهم من الأنصار، وتوالى المدد على إفريقيا من المشرق، وكثر عدد العرب النازحين إليها من اليمانيين والشاميين والأنصار، لاسيما في العهد الأموي من الناقمين على الدولة، أو من يحمل مبدأ يخالف مبادئ بني أمية، فكانت الصفرية والإباضية والأزارقة وبعض الأشراف من آل البيت، لاسيما بعد واقعة فخ، ينزحون إليها ويرون فيها مأمنا حصينا يختفون فيه بعيدين عن خصومهم، ويحاول كل منهم نشر مبادئه.

ومن عهد عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز ، صارت إفريقيا إقليما عربيا خالصا، على اتصال متين بدمشق أكثر من أقاليم كثيرة أخرى كخراسان أو شرق الجزيرة العربية مثلا، لاسيما بعد إحداث الطريق البحري الذي أنشأه عبد الملك بين تونس والإسكندرية وطرطوس، وهو نفس الخط الذي كان مستعملا عند القرطاجنيين … هذه الروابط التاريخية والدينية والسياسية، صارت القيروان ولاية عربية صرفة ومركز انطلاق الفتوحات العربية للمغرب والأندلس، وجاء العصر العباسي واستقرت الدولة العربية، وانصرف الناس إلى النشاط العقلي، وكان هذا الوسط الإسلامي العربي بالقيروان وإفريقيا؛ إما عربي أو متعرب، وبما أن جلهم من اليمانيين أو الأنصار أو من الساميين، فلا غرابة أن يفتحوا صدورهم لمبادئ ناشئة من وسط عربي صميم تربطهم وإياه أواصر عدة. فكانوا في أول أمرهم أوزاعيين مع أهل الشام النازحين في العهد الأموي، وحنفيين مع الأغالبة. ولكن سرعان ما سمعوا أن إماما من أصل يمني من ذي أصبح، نزل أجداده المدينة قديما وأخذ عن التابعين، واشتهر بعلمه وتقواه وذكائه وورعه يعمل على إحياء السنة ويجلس الخلفاء والأمراء في حلقته ولا يمشي إليهم إلا مكرها، يرى أن أموال المسلمين ليست بحل للأمراء، ويجلس المهدي في حلقته ليقرأ عليه الموطأ وكذلك ابنه الرشيد وحفيداه الأمين والمأمون يهرعون إليه ليأخذوا عنه علم رسول الله تبركا وفخرا. هذا الإمام هو: مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، فيسرع الناس إليه من إفريقية.

<<  <  ج: ص:  >  >>