للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأندلس للأخذ عنه ويعودون معجبين بعلم مالك ونقده للرجال وتحريه في الفتوى وذكائه في استنباط الأحكام من الأحاديث الشريفة وتقواه وخوفه من الله، مع ابتعاده عن ذوي السلطان، فيأخذ عنه علي بن زياد والبهلول ابن راشد والحارث بن أسد القفصي، وعبد الله بن فروخ، وعبد الله بن غانم وغيرهم من أندلسيين وإفريقيين آخرين، ثم يعودون ناشرين ما أخذوه عنه من فقه وحديث، وينتشر مذهبه ويكثر معجبوه وتشد له الرحال من الأندلس وإفريقيا للأخذ عنه، فينتشر مذهب مالك بالمغرب كله بما فيه الأندلس، ويتعصب تلاميذه لرأيه، ويقلدونه لا في آرائه فقط، بل في ملبسه وما كله ومشربه. وصار الذي يسعفه الحظ بعد أن يأخذ عن تلاميذ مالك يلتحق به ليأخذ عنه مباشرة، فيعلو نجمه ويصير في عداد من رأى الإمام وأخذ عنه مباشرة. ومن كان على غير رأي الإمام فهو صاحب رأي أو هوى، ضعيف العلم رقيق الدين، ربما لمز بانتسابه لمذهب آخر كان يقال عنه العراقي مثلاً، أي من أصحاب الرأي والحيل، العاملين في ركاب الملوك، المقربين لذوي السلطان، ولم يكن مالك ولا أصحابه في هذا من شيء. فيزداد إعجاب المنتسبين إلى آرائه ويصير في نظرهم أن المسلم لا يكون مسلماً حقاً إلا إذا كان مذهبه مذهب أهل المدينة، معدن الاسلام ومرقد الرسول صلوات الله وسلامه عليه.

وقد أدرك بعض الأذكياء من فقهاء القيروان وهو أسد بن الفرات هذا الميل الكلي الى مذهب مالك عند الناس، فأراد ان يوفق بين الرأيين ويجمع بين المذهبين، فسافر الى مالك وأخذ عنه، ثم الى بغداد وأخذ عن كبار أصحاب أبي حنيفة، وعاد وفي كتابه الأسدية شيء من المذهبين، لكن فقهاء القيروان رأوا أن الفقه المالكي الأصيل أعلق بنفوسهم، فلم يأخذوا عن أسد إلا القليل الموافق لمذهب مالك وتركوا ما سواه. ولما جاءهم سحنون بمدونته نبذوا الأسدية وتعلقوا بالمدونة واعتبروها القانون الشامل لمدرسة مالك بن أنس الأصيلة. وعندها كثرت الرحلات الى المشرق

<<  <  ج: ص:  >  >>