للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان مريضًا عدناه أو مشغولًا أعناه أو فقيرًا واسيناه. فقالوا لا علم لنا به. فأستأذنت على منزله فخرج إلي، فسألته ما شغلك عن حانوتك؟ فقال لي: أنت يا ابن المبارك، يراك الناس تميل إلي فالبستني قميصًا ليس علي منه شيء. فأخذت بكمه فسرت به إلى المقابر فقلت له: هذا قبر فلان، كان من شأنه كذا. وهذا قبر فلان، كان من شأنه كذا. فقال لي يا ابن المبارك ما أعرف ما تقول، ليس الرجل كل الرجل من وصفته الألسن ولا الرجل كل الرجل من رمقته الأعين، إنما الرجل من ستر الله عليه في حياته فأدخله قبره مستورًا ثم أبرزه يوم القيامة ليس عليه ذلة معصية فذلك الرجل.

وحكى أبو بكر بن الخطيب أن الحسن بن عيسى بن سرجس كان يجتاز وهو إذ ذاك على نصرانيته بابن المبارك، وكان الحسن من أحسن الناس وجهًا فسأل عنه عقيل فقيل له: هو نصراني فقال: اللهم ارزقه الإسلام. فاستجاب الله دعوته وحسن إسلام الحسن ورحل في طلب العلم، فكان أحد علماء الأمة، وممن رحل في طلب العلم والتسنن في الآفاق. وأخذ الناس عنه مع ورع وعقل وثقة، ومال إلى الدنيا رجل ممن كان يصحب ابن المبارك وصحب السلطان فلقيه يومًا فسلم عليه فقال له يا أخي:

كل من الأرز والبر ومن خبز الشعير … واجعلن ذاك حلالًا تنج من حر السعير

وق يا هذا هداك الله عن دار الأمير … لا تزرها واجتنبها إنها شر المزور

تذهب الدين وتدنيك من الحرب الكبير

فاستحى الرجل وترك مصاحبة السلطان ورجع إلى صحبته.

<<  <  ج: ص:  >  >>