للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العيب. وثلاثة من أعلام المعرفة: الإقبال على الله، والانقطاع إلى الله، والافتخار بالله. وثلاثة من أعلام الفكرة: سرعة الأفكار، وإدمان الاعتبار، وكثرة الاستغفار. وكان يقول عند إفطاره: الحمد لله الذي هداني فصمت، والحمد لله الذي رزقني فأفطرت، أن تعذبني فأنا أهل لذلك، وأن تغفر لي فأنت أهل لذلك. وكان يقول: ثلاث من أعطيهن فقد اغتبط: علم نافع، ورزق طيب، وعمل متقبل. وذكروا أنه أصاب الناس بصفاقس سبع سنين قحط، فأتوا أبا خارجة يستسقي لهم، فقال لهم تأتون غدًا بنسائكم وصبيانكم، وبهائمكم، وتبيتون الصيام الليلة، فإذا كان غدًا قفوا بين يده، وتضرّعوا إليه، فإنه يرق لحالكم. ففعلوا ذلك. فخرج أبو خارجة، فصلى بهم وخطب ودعا، ثم جلس إلى صلاة الظهر، ثم بسط يديه وقال: أنت مولانا ما لنا غيرك ولا سواك. بك

نالوا الدرجة الرفيعة، والمواهب العالية، ولولاك ما نالوها، وأنت ذو رحمة واسعة، وأنت العالم بأحوالنا، وقبيح أعمالنا، وما لنا غيرك ولا سواك، وقد قامت آمالنا بك وقد جثونا بين يدك. بهائمنا جائعة، وأرضنا سوداء يابسة، وقلوبنا خائفة، وبيوتنا فارغة، وسماؤك عامرة، وخزائنك واسعة، فاسقنا سقية نافعة تجدد الإيمان في قلوبنا، ولا نبرح بين يدي كريم حتى يسقينا، وسيلتنا إليك نبينا الذي جعلته رحمة لنا. . وقال: فإذا بريح بيضاء بدت بهم، ثم اندفعت بالغيث. فمضى أبو خارجة يرفع ثيابه ويقول: بهذا يعرف الكريم، هذا فعلك فيمن قصدك. وبهذا تعرف وتوصف. وتوفي أبو خارجة في ربيع الأخير سنة عشر ومائتين، سنُّه ست وثمانون سنة. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>