بأن أسمعكما سماعًا حسنًا عندي. قلت: أنت والله تريد إساءتنا، لا إكرامنا. فقال لي يا أبا محمد: لا تظن إلا خيرًا. فما كان رأي من قبلك، إذا تبالغ في تكريمهم حتى نفعل ذلك بهم. فقلت لا جزاهم الله خيرًا عن أنفسهم، ولا عنك، فقد والله خانوا الله ورسوله. فخجل واعتذر. وذكر أحمد بن عبد البر، أن قاضيًا من قضاة قرطبة سماه، جميل المذهب، كان أشار بن يحيى بن يحيى، فكان طاعة له في قضائه، لا يعدل عن رأيه، إذا اختلف الفقهاء عليه، فاتفق إن وقعت قصة تفرد فيها يحيى وخالف جميعهم، فأرجأ القاضي القضاء فيها، حياء من جماعتهم، وردفته قصة أخرى، فشاورهم فيها أيضًا، فلما أتى كتاب يحيى وقد أحضره توقفه على إنفاذ الأولى، صرفه على رسوله، وقال: ما أفك له ختامًا، ولا أشير عليه بشيء، إذ قد توقف
عن القضاء لفلان بما أشرت عليه به، وعابه. فلما انصرف إليه رسوله، وعرفه بقوله، قلق منه وركب من فوره إلى يحيى معتذرًا وقال له: لم أظن الأمر وقع منك هذا الموقع. وسوف أقضي له غدًا يومي إن شاء الله. فقال له يحيى: وتفعل ذلك صدقًا. قال: نعم. قال له: فالآن هيجت غيظي، فإني ظننت إذ خالفني أصحابك، إنك توقفت مستخيرًا الله، متخيرًا في الأقوال. فأما إذا صرت تتبع الهوى وتقضي برضى مخلوق ضعيف، فلا خير فيما تجيء به، لا فيّ إن رضيته منك. فاستعف من ذلك، فإنه أستر لك وإلا رفعت في عزلك، فرجع ليستعفي،