للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المثالية في النفوس زمناً طويلاً، وصارت عند بعض الصوفية من مالكية المغرب، فان الصوفي عندهم هو ذاك الذي امتاز عن غيره في تعلقه بالله جسماً وروحاً مع معرفة بالسنة واعتزاز بها، غير ناس لنصيبه من الدنيا أو داع لطريقة من الطرق أو مدرسة من المدارس. وحتى من تفلسف من علماء المالكية فانه لا يشذ عن قاعدة السنية فضلاً عمن تصوف، كما نجده في سير البهلول بن راشد والحارث بن أسد القفصي وأبي عثمان سعيد بن سلام المغربي، وأبي يوسف يعقوب بن ثابت الدهماني فيما بعد، وابن رشد في الفلاسفة. فكلهم سني مالكي لم يشذ بآرائه الصوفية شذوذ الحلاج وابن سبعين وابن عربي وابن الفارض وأضرابهم. ولما جاءت محنة القول بخلق القرآن لم يجاور المالكية بني الأغلب في قالتهم المملاة عليهم من خلفاء بغداد، فقال بقولهم أكثر الحنفية هنا ورفض المالكية رأيهم هذا، فنال بعضهم ما نال إخوانهم في المشرق من الضرب والتعذيب والسجن، وتجاهر المالكية بالعداء لبني الأغلب من جهة، وللحنفية من جهة أخرى، حتى صار من تحضره الوفاة من المالكية يوصي بأن يكتب على قبره: هذا قبر فلان بن فلان كان يشهد أن لا إله الا الله وأن محمداً رسول الله، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، معتبراً بوصيته هذه متحدياً للاعتزال جهاراً في حياته وبعد موته. وموقف بني الأغلب من المالكية، هو الذي جعلهم يتقاعسون عن نصرتهم عندما أخذت دعوة بني عبيد تظهر بالمغرب، وقد أخطأ أتباع مالك هنا، إذ بعملهم هذا ساعدوا على إنشاء دولة من عقيدتها اعتبارهم كفاراً، وقتل أهل السنة مما يتعبد به عندها. فعندما جاء العبيديون ونصبوا أنفسهم خلفاء وأخذوا يدرسون أصول مذهبهم الباطني بالقيروان، كان علماء المالكية ينظرون اليهم شزراً أول الأمر، ثم تطورت البغضاء بين الطائفتين، فكانت طائفة الشيعة يساندها السلطان والسيف، والمالكية ومعها الشعب بأسره. ولما استقر الأمر لعبيد الله منع المالكية من الإفتاء والتدريس وحمل الناس على العمل ليلا والنوم نهاراً في شهر رمضان، كما فعل الحاكم من بعده في

<<  <  ج: ص:  >  >>