سحنون عدل على ما عرف من فضلهما، من أنهما إذا بين لهما وجه خطأهما رجعا، فأعلم أسدًا برجوعهما كما فعلا. وإن الحكم، كان بعد لم يحن وقت نفوذه. وإلا فهو في فضله وورعه كان لا يسكت على مثل هذا، إلا رجاء أن يستبين الحق بلا تعلة، ولا مخالفة. قال سحنون: أجرًا للناس على الفتيا، أقلّهم علمًا. يكون عند الرجل باب واحد من العلم، فيظن أن الحق كله فيه. قال سحنون: إني لأسأل عن المسألة، فأعرف في أي كتاب وورقة وصفحة وسطر، فما يمنعني عن الجواب فيها إلا كراهة الجرأة بعدي على الفتيا. قال سحنون: وأنا أحفظ مسائل ما فيه ثمانية أقاويل من ثمان أئمة. فكيف يسعني أن أعجل بالجواب، حتى أتخيّر، وهو الأمر في حبس الجواب، أو كما قال، عبد الجبار بن خالد، قال رجل من الطلبة لسحنون: جئت اليوم ولم أسمع منك شيئًا. فقال له: إن كنت في وقت خروجك ممن شيعته الملائكة، فقد سمعت، وإن لم تسمع. وإن كنت ممن لم تشيعه، فلم تسمع، وإن كنت سمعت. قال عيسى: قلت لسحنون تأتيك المسائل مشهورة مفهومة، فتأبى الجواب فيها. فقال سحنون: سرعة الجواب بالصواب أشد فتنة من فتنة المال. قال يحيى بن عمر: لما قدمت إلى سحنون فسألت عنه، فقيل لي خرج إلى البادية، فجئته، فرأيت رجلًا أشعر عليه جبة صوف ومنديل، وهو متول حرثه وشأنه، فاستصغرته وندمت على تركي من تركت بالمشرق، ومجيئي إليه. وقلت ما أراه يحفظ شيئًا من العلم. فرحب بي. فلما جالسته في العلم رأيت بحرًا لا تكدره الدلاء، والله العظيم، ما رأيت مثله قط. كأنما جمع العلم عينيه في صدره.