عنا في المسألة ما لا نقوله واحتجوا علينا بما يحتج به على الطاعنين على الإجماع وها أنا أفصل الكلام فيها تفصيلًا لا يجد المنصف إلى جحده بعد تحقيقه سبيلًا وأبين موضع الاتفاق فيه والخلاف إن شاء الله تعالى.
فاعلموا أن إجماع أهل المدينة على ضربين، ضرب من طريق النقل والحكاية الذي تؤثره الكافة عن الكافة وعملت به عملًا لا يخفى ونقله الجمهور عن الجمهور عن زمن النبي ﷺ، وهذا الضرب منقسم على أربعة أنواع، أولها ما نقل شرعًا من جهة النبي ﷺ من قول كالصاع والمد، وانه ﵊ كان يأخذ منهم بذلك صدقاتهم وفطرتهم، وكالأذان والإقامة وترك الجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) في الصلاة والوقوف (والأحباس) فنقلهم لهذه الأمور من قوله وفعله كنقلهم موضع قبره ومسجده ومنبره ومدينته وغير ذلك مما علم ضرورة من أحواله وسيره وصفة صلاته من عدد ركعاتها وسجداتها وأشباه هذا، أو نقل إقراره ﵇ لما شاهده منهم ولم ينقل عنه إنكاره كنقل عهده الرقيق وشبه ذلك، أو نقل تركه
لأمور وأحكام لم يلزمهم إياها مع شهرتها لديهم وظهورها فيهم كتركه أخذ الزكاة من الخضروات مع علمه ﵇ بكونها عندهم كثيرة، فهذا النوع من إجماعهم في هذه الوجوه حجة يلزم المصير إليه ويترك ما خالفه من خبر واحد أو قياس، فإن هذا النقل محقق معلوم موجب للعلم القطعي فلا يترك لما توجبه غلبة الظنون، وإلى هذا رجع أبو يوسف وغيره من المخالفين ممن ناظر مالكًا وغيره من أهل المدينة في مسألة الأوقاف والمد والصاع حين شاهد هذا النقل وتحققه، ولا يجب لمنصف أن ينكر الحجة هذا، وهذا الذي