وأصبحت الدولة مالكية صرفة، وانتقم أصحابها من بقية من كان يتهم بالتشيع للباطنية وقتل بكل سني باطني. حاول العبيديون أول أمرهم بالمشرق أن يغضوا طرفهم عن أتباع مالك، وتركوهم وشأنهم أول الأمر إلى أن جاء الحاكم بأمره فتتبع المالكية وقتل منهم قاضيين ودخلوا في أزمة جديدة مع بني عبيد، حتى جاء الطرطوشي الذي لاقى منهم مضايقات أول أمره، ثم فرج عنه، فعمل بجد على إحياء المذهب ثانية، وبمجيء السلاجقة كان انتصار المذاهب السنية بالمشرق عاماً على الباطنية، ولم يسجل التاريخ مقاومة للبدع مثل ما سجل للمذهب المالكي مع الخوارج والشيعة الباطنية والمعتزلة، اللهم إلا ما قام به بعض الحنابلة في محنة القول بخلق القرآن وما كابده شيخ الاسلام ابن تيمية في مقاومته لبدع الطرقية في عصره.
ولما استقرت الدولة الصنهاجية أو دولة بني زيرى، متحالفة مع المالكية ازدهرت الحياة الفكرية واتسع نفوذ المذهب وكثرت حلقات العلم والمعرفة في شتى الفنون، وجددت القيروان عصرها في ربط صلتها بالمشرق والمغرب، وخرج طلاب العلم منها الى المشرق والمغرب معلمين ومتعلمين كما كانوا قبل.
وكان ابن أبي زيد قد جدد وأحيا مدرسة سحنون وكثر طلابه والمعجبون به. واشتهر علماء كثيرون في هذا العهد منهم الفقهاء والمتكلمون، كابن أبي زيد وأبي الحسن القابسي وأبي عثمان سعيد بن محمد الحداد. ولم يكن الوسط الافريقي مقصوراً على الفقهاء بل كان الأدب في أوجه، وكانت حياة عملية مزدهرة بالأوساط الافريقية، من أدب ولغة وصناعة ومجالس لهو وطرب ووجوه الحياة البشرية بجانب الوعظ ودراسة الشريعة، أو قل بالجانب الروحي من الحياة اليومية، فهو عصر محمد بن عبد الله الأموي وعبد الرزاق بن علي النحويين وابن الزنجي الكاتب الشاعر، وعلي بن عبد الغني الحصري، وأبي إسحاق الحصري الشاعرين، وإسحاق بن سليمان الاسرائيلي الطبيب، وتلميذه احمد بن ابراهيم ابن الجزار، والمازري وعلي بن احمد بن الماعز في آخرين.
وفي هذا العصر جاءت الأشعرية الى المغرب عن طريق القيروان طبعاً.