للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكثرت الرحلات العلمية إلى بغداد والشام ومكة والمدينة من المغرب والأندلس، كما نزح بعض أهل المشرق إلى القيروان والأندلس بعد ما قرفوا من ضعف الخلافة العباسية وتقسيمها إلى دويلات وكثرة الانتفاضات المذهبية. أقول، نزحوا باحثين عن الاستقرار في بلد إسلامي ليس فيه إلا دين واحد، ومذهب واحد، وعقيدة واحدة. فكان من كبار الأشاعرة النازحين إلى المغرب أبو عبد الله الحسين بن حاتم الأزدي، تلميذ القاضي الباقلاني، وعبد الوهاب بن نصر البغدادي الذي كان عازماً على الالتحاق بالأندلس ومات في طريقه بالقاهرة. والتحق الكثيرون بصقلية من أدباء وأطباء ورياضيين.

وكانت المراسلات بين علماء طرفي العالم الإسلامي بغداد والقيروان توضح أن "كلا البلدين كان على علم بما يجد عند الآخر في ميدان الفكر"، من ذلك ما رواه ابن عساكر في تبيين كذب الفتوى، أن علي بن أحمد ابن إسماعيل المعتزلي البغدادي كتب إلى ابن أبي زيد القيرواني يدعوه إلى اتباع آرائه، ورد ابن أبي زيد على طلبه هذا، برد يعتبر خلاصة للعقيدة الأشعرية بالمغرب، والذي صار مقدمة لكتابه الرسالة، وانتشرت العقيدة الأشعرية بافريقيا بسرعة انتشار المذهب المالكي … بقي أن نتساءل لماذا انتشرت العقيدة الأشعرية بهذه السرعة وفي حياة صاحبها كما وقع ذلك بالنسبة لمذهب مالك وفي حياته؟

يبدو أن الأصل العربي اليمني قد لعب دوراً مهماً في انتشار المذهب والعقيدة الأشعرية. إذ كلاهما من أصل عربي يمني، وأن الغالب على سكان إفريقيا الأول هم من ذلك الأصل، ثم ان مالكية الباقلاني، هي التي جعلت الأشعرية تجد هذا القبول في هذا الوسط المالكي، ولئن اختلف في مذهب الأشعري، وإن كان لا يبعد أن يكون مالكياً في فروعه فإن الاتفاق مجمع على أن "الباقلاني مالكي" مع خلاف بسيط لا يعتد به عند المالكية. وكذلك كره المالكية للعبيديين جعلهم يتقبلون كل علم جديد يأتيهم من

<<  <  ج: ص:  >  >>