فلما دخل، قال له: اجلس. ثم عقد عليه محضرًا بشهادة القوم، بفتحه بابه، وانتصابه للفتوى، والسماع، بخلاف مذهب أمير المؤمنين. وأنه يلبس السواد، ويخضب في الأعياد. فقال له أبو بكر: لمن أدعو؟ قال: لبني أمية. يلبسون السواد. وأراد فضيحته عند من حضر. ثم قال له أيضًا: بأن الخطبة لا تكون بأقل من خمسين رجلًا. وداري لا تحمل ذلك. ثم قال له: ومتى كان هذا: بعد صلاة الجنازة أو قبلها؟ فقال له ابن أبي المنهال: وأي حجة لك في ذلك؟ فقال: إن كان قبل الصلاة عليها، فقد غششت أمير المؤمنين، إذ كتمت عنه هذا. وإن كان بعدها، فأنت خصمي، ولا يقبل قولك. فأمر ابن أبي المنهال بسجنه. فجاء الغلام ليأخذ بيده، فانتهره، وقال: دع. أشهدكم أني محبوس. ومضى الى السجن. فوجد فيه المراودي. وكان سجن على سب النبي ﷺ. فلما دخل الشيخ تلقاه. فأعرض عنه. فقال المراودي: والله إني لأبغضك قديمًا.
فقال أبو بكر: الحمد لله يا فاسق، الذي لم يجعل قلبك بغض النبي ﷺ وحبي. فأقام مسجونًا حتى ذهب محمد ابن أخيه الى المهدية. فأخبر بذلك البغدادي. وكان يحبه. فسعى له عند عبيد الله، حتى أمره أن يكتب الى ابن أبي المنهال بإخراجه من السجن، على أن لا يفتي ولا يجتمع إليه أحد. ولا يفتي إلا بمذهب السلطان. وكتب في رقعة داخل الكتاب، وقال: ما هذا الذي فعلت؟ عمدت الى عمدة بلده، فأحدثت فيه هذه الأحدوثة، وأثرت البلدة. وهذا مما كرهه أمير المؤمنين. فلا تعد الى مثل هذا. فلما وصل الكتاب أخرجه، وشرط عليه أن لا
يخشن عليه الجواب. فلما رفع مجلسه، وقال هذا كتاب أمير المؤمنين، عهد فيه أن لا تفتي، ولا يجتمع إليك أحد، وإن مرضت فلا تعاد. فقال أبو بكر: هذه مسألة لم تنزل بعد. ثم خرج الى المهدية، فقصد البغدادي، فذكر وصوله لعبيد الله. فقال له: