للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اكتب له كل ما يحب ولا تدخله عليّ. فكتب سجلًا أن لا ينظر في أمره ابن أبي المنهال. فأراد أن يأخذه. فقال له البغدادي: ليس مثلك، يحمل عناية أمره؟ تصل الى بلدك، ويصل مع البريد إليك ذلك. وبقي أبو بكر، لا يسمع إلا في خفية. فلزم داره، وأغلق بابه. وكان ربما خرج الى المسجد، فيأتي الطلبة الى بابه، فتفتح لهم خادمه، فإذا اجتمعوا أتته. فيدخل، وتغلق عليهم، فيقرأون. وكان منهم أبو محمد التبان، وابن أبي زيد رحمهما الله تعالى. وغيرهم.

وكانوا ربما جعلوا الكتب في أوساطهم، حتى تبتل بأعراقهم. فأقاموا على ذلك الى أن توفي رحمه الله تعالى. وكان قد امتحن أيضًا، على يد التاهرتي، طلبه بوديعة. قال له: لا أعرف ما تقول. ولا أودعني هذا الرجل شيئًا. ولا أعرف من هو. ولا رأيت هذا العدد قط، إلا على مائدة صيرفي. فدعا أعوانه، فأخذوه وبطحوه على وجهه. وجلس أحدهم على أكتافه، والآخر على رجليه. وضربوه ثلاثة عصي. فقال: اصبر أكلمك. فقال: دعوه. فما رق قلبي لأحد رقته عليه. قال ابن ادريس: لما امتحن أبو بكر على يد التاهرتي، وضرب إليتيه، قال: تضرب إليتين والله ما عصتا الله قط. وتوفي في منتصف صفر يوم السبت سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة، قبل دخول أبي يزيد القيروان بخمسة أيام. وأظهر أهل القيروان بسبب ظهور أبي يزيد بينهم الترحم على أبي بكر، وعمر. ولعنوا من لا يترحم على أصحاب النبي . وهدموا بيوت المتقلبين. وكان فلج آخر عمره. ورثاه أبو محمد بن أبي زيد رحمه الله تعالى، بقصيدة طويلة أولها:

يا من لمستقرب في ليلة حزنًا … مستوطن من بقايا آية وطنا

يا عين فابكِ لمن بفقده فقدت … جوامع العلم والخيرات إذ دفنا

لهفي على ميّت ماتت به الخيرا … ت قد كان أحيا الدين والسننا

<<  <  ج: ص:  >  >>