الحنْبَليِّ الموسومِ ب «المقنِعِ»، فَشَرَحه شرحًا مزجيًّا، بيَّن فيه حقائقَه، وأَوضح دقائقَه، وكَشَف به عما أُغلق، ونبَّه على تَرجيح ما أُطلق، وجَمَع الرواياتِ والأوجهَ مِنْ كُتب الأصحاب، وبيَّن الضعيف منها والأولى بالصواب، وكساه بحُلَلِ الأدلةِ النَّقلية، وزَيَّنه بالعِلَل والبراهينِ العقلية، متوخِّيًا في ذلك كلِّه الاختصار، فجاء شرحًا حافلًا، وكتابًا جامعًا، عوَّل عليه المحقِّقون من المتأخرين، وحَذَوْا حَذوه في شروحهم حتى صار هذا النمطُ من التأليف جادةً في المذهبِ مسلوكةً، وطريقةً معروفةً مألوفة.
ومع هذه الجَلالةِ في المِقدار وعلوِّ الكعب في التَّصنيف، إلا أن كتابَ «المبدعِ» قد ابتُلِي بجملةٍ من الأخطاءِ في نُسَخِه المخطوطة، وتابعتها في ذلك جميعُ نُسَخِه المطبوعة، فكان في مواطن ليستْ باليسيرة من الكتاب: تحريفٌ وتصحيف، ولعلَّ خطَّ المؤلِّفِ رحمه الله تعالى الذي تُشكِل في قراءته كثيرٌ من الكلمات كان سببًا في وقوع النُّسَّاخ في مثل تلك الأخطاء.
ولما كان الكتاب - على أهميته - لم يَلْقَ العنايةَ التي يَستحِقُّها في طبعاتِه السابقة، ولم تُصوَّب الأخطاء الواردة في نُسَخِه الخَطِّية بالرجوع إلى الكُتب التي اعتمد عليها ابنُ مُفلِحٍ في شرحه، ولم يَحْظَ بتحقيقٍ علميٍّ وفق الأسلوبِ المتعارَفِ عليه في تحقيقِ التراث؛ عَزَمْنا مستعينين بالله تعالى على تَحقيقِه وخِدمتِه قَدْر الإمكان.
وقد وَقَفْنا بتوفيقٍ من الله تعالى على إحدى عشرة نسخةً خطيةً، واحدةٌ منها بخطِّ المؤلف رحمه الله تعالى، وهي عبارةٌ عن الجزء الأول من الكتاب، مِنْ أوَّلِه إلى نهاية كتابِ الحج، ونُسخٍ أخرى بعضها منقولٌ عن نسخة المؤلف رحمه الله تعالى، وما من موطن في الكتاب إلا وعندنا فيه أكثر من نسخة خطية ولله الحمد.