للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(بَابُ التَّدْبِيرِ)

سُمِّيَ تَدْبِيرًا؛ لأِنَّ الوفاةَ دُبُرَ الحياةِ، يُقالُ: دبَّرَه تَدْبيرًا؛ إذا علَّق عِتْقَه بمَوتِه، يُقالُ: أعْتَقَه عن دُبُرٍ؛ أيْ: بَعْدَ الموت، وقالَ ابنُ عَقِيلٍ: هو مُشْتَقٌّ مِنْ إدْباره مِنْ الدُّنيا، ولا يُسْتَعْمَلُ في كلِّ شيءٍ بَعْدَ الموت مِنْ وصيَّةٍ وَوَقْفٍ وغَيرِه، فهو لفظٌ يُخَصُّ به العِتْقُ بَعْدَ الموت.

والأصلُ فيه: حديثُ جابِرٍ: أنَّ رجلاً من الأنصار أعْتَقَ غُلامًا له عن دُبُرٍ، لم يَكُنْ له مالٌ غَيرُه، فبَلَغَ ذلك النَّبيَّ فقال: «مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟» فاشْتَراهُ نُعَيمٌ بن النَّحَّام بثَمانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَدَفَعَها إليه، متَّفَقٌ عَلَيهِ (١)، وقالَ ابنُ المنذِرِ: أجْمَعَ كلُّ مَنْ نحفَظُ عنه من أهل العلم على أنَّ من دبَّرَ عَبْدَه أو أَمَتَه، ولم يَرجِعْ عن ذلك حتَّى مات، والمدبَّرُ يَخرُجُ من ثُلُثِ ماله بَعْدَ قَضاءِ الدَّين وإنفاذِ وَصَاياهُ، وكان السَّيِّدُ بالِغًا جائِزَ التَّصرُّف؛ أنَّه يَعتِقُ (٢).

(وَهُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالمَوْتِ)، هذا بَيانٌ لمَعْنَى التَّدبيرِ شَرْعًا، ولا تَصِحُّ وصيَّتُه به.

(وَيُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ)؛ أيْ: إنَّما يَعتِقُ إذا خَرَجَ من ثُلث المال في قَولِ أكثرِ العلماء.

ورُوِيَ عن ابن مسعودٍ وغَيرِه: أنَّه من رأسِ المالِ (٣)، ونَقَلَه حَنبَلٌ عن


(١) أخرجه البخاري (٢١٤١، ٧١٨٦)، ومسلم (٩٩٧).
(٢) ينظر: الإجماع ص ١١١.
(٣) أخرجه الثوري في الفرائض (٥٩)، عن أشعث، عن الشعبي، عن علي وعبد الله قالا: «من جميع المال»، يعني المدبر. وهو مرسل ضعيف؛ أشعث هو ابن سوَّار، وهو ضعيف. وأخرج نحوه سعيد بن منصور (٤٦٤)، وابن الجعد (٢٢٤٣)، عن ابن مسعود . وفيه شريك النخعي وجابر الجعفي وهما ضعيفان، ووقع في إسناده اضطراب.