للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(فَصْلٌ فِي الْمَوْقِفِ)

(السُّنَّةُ (١): أَنْ يَقِفَ المَأْمُومُونَ) رجالاً كانوا أوْ نِساءً (خَلْفَ الْإِمَامِ)؛ لفِعله : «كان إذا قام إلى الصَّلاة قام أصحابه خلفَه» (٢)، وقد رُوي: «أنَّ جابِرًا وجَبَّارًا وقَف أحدُهما عن يمينه، والآخَر عن يساره، فأخذ بأيديهما حتَّى أقامهما خلفه» رواه مسلمٌ وأبو داود (٣)، ولا يَنقُلُهما إلاَّ إلى الأَكْمل، وعن سَمُرةَ قال: «أمرنا رسول الله إذا كنَّا ثلاثةً أن يتقدَّمَ أحدُنا» رواه التِّرمذيُّ بإسنادٍ ضعيفٍ، وقال: (غريبٌ، والعملُ عليه عند أهل العلم) (٤).

وكان ابنُ مسعود يرى أن يقف الاثنان عن جانِبي الإمام؛ لأنَّه صلَّى بين عَلْقمةَ والأسودِ، وقال: «هكذا رأيت النَّبيَّ فَعَلَ» رواه أحمد، وفيه هارونُ بن عنترةَ، وقد وثَّقه جماعةٌ، وقال ابن حِبَّانَ: لا يُحتجُّ به، وقال ابن عبد البَرِّ: (لا يَصحُّ رفعُه، والصَّحيح أنَّه من قولِ ابن مسعودٍ) (٥).


(١) قوله: (السنة) سقط من (و).
(٢) روي هذا المعنى في أحاديث منها: حديث عتبان بن مالك عند البخاري (٦٨٦)، وفيه: «أين تحب أن أصلي من بيتك؟» فأشرت له إلى المكان الذي أحب، فقام وصففنا خلفه، ثم سلم وسلمنا. ومنها حديث أنس عند البخاري (٦٨٩)، وتواتر هذا المعنى في أحاديث كثيرة في صلاته بأصحابه.
(٣) أخرجه مسلم (٣٠١٠)، وأبو داود (٦٣٤).
(٤) أخرجه الترمذي (٢٣٣)، والروياني في مسنده (٧٩٤)، والطبراني في المعجم الكبير (٦٩٥١)، وقال: (حسن غريب)، وفي سنده إسماعيل بن مسلم المكي البصري، وهو ضعيف، بل قال أحمد وغيره من الأئمة: (منكر الحديث). ينظر: تهذيب التهذيب ١/ ٣٣٢.
(٥) أخرجه أحمد (٣٩٢٧)، ومسلم (٥٣٤)، والنسائي في الكبرى (٨٠٠)، من طرق عن علقمة والأسود، وفي بعضها عن الأسود وحده، بأسانيد صحيحة، ولفظ مسلم: ( … فقام بينهما، وجعل أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، ثم ركعنا، فوضعنا أيدينا على ركبنا، فضرب أيدينا، ثم طبق بين يديه، ثم حطهما بين فخذيه، فلما صلى قال: هكذا فعل رسول الله لفظه لأحمد ولأبي داود نحوه، ونحوه عند أحمد والنسائي، وفيها رفع التطبيق، ورفع موقف الإمام، وصفة ذلك.
وأخرجه أحمد (٤٠٣٠)، وأبو داود (٦١٣)، من طريق هارون بن عنترة، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، قال: استأذن علقمة والأسود على عبد الله، قال: إنه سيليكم أمراء يشتغلون عن وقت الصلاة، فصلوها لوقتها، ثم قام فصلى بيني وبينه، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله »، لفظه لأحمد ولأبي داود ونحوه. وهارون بن عنترة اختلف فيه وهو مع هذا لا بأس به، فقد وثقه أحمد وابن معين، وضعفه ابن حبان والدارقطني في رواية، ووثقه في أخرى، وللحديث طرق أخرى صحيحة كما سبق ذكرها، ورجَّح ابن عبد البر والمنذري والنووي وقفه وأنه من فعل ابن مسعود ، وليس فيه أن النبي فعله، وأجاب آخرون: بأنه منسوخ؛ لأن هذه الصلاة فيها ذكر التطبيق، وابن مسعود أخذها بمكة، فيكون هذا الحكم من جملتها، ذكره الزيلعي، وقال ابن حجر: (وأغرب ابن عبد البر والمنذري والنوري فقالوا: إن الصحيح وقف هذا الحديث، زاد المنذري أن مسلمًا أخرجه موقوفًا، وأخرجه أبو داود مرفوعًا وإسناده ضعيف كذا قال، وهو في مسلم من ثلاث طرق، ثالثها مرفوعة). ينظر: الاستذكار ٢/ ٢٧٠، الخلاصة للنووي ٢/ ٧١٥ - ٧١٦، نصب الراية ٢/ ٣٣، الدراية ١/ ١٧٠، تهذيب التهذيب ١١/ ١، صحيح أبي داود ٣/ ١٧١.