للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(بَابُ حَدِّ المُحَارِبِينَ)

المُحارِبونَ: واحِدُهم مُحارِبٌ، وهو اسْمُ فاعِلٍ مِنْ حارَبَ يُحارِبُ، وهو فاعِلٌ مِنْ الحَرْب، قال ابنُ فارِسٍ: الحَرْبُ اشْتِقاقُها من الحَرَبِ، بفَتْحِ الرَّاء، وهو مَصدَرُ حَرَبَ مالَه أيْ: سَلَبَه، والحَرِيبُ المحْرُوبُ (١).

والأصْلُ فيهم (٢): قَولُه تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ … (٣٣)﴾ الآية [المَائدة: ٣٣]، قال ابنُ عبَّاسٍ وأكثرُ العلماء: «نَزَلَتْ في قُطَّاعِ الطَّريق مِنْ المسْلِمين» (٣)؛ لقوله تعالى: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾ [المَائدة: ٣٤]، والكُفَّارُ تُقبَلُ تَوبَتُهم بَعْدَ القُدْرة كما تُقبَلُ قَبْلَها، فلمَّا خَصَّه بما قَبْلَ القُدْرة، عُلِمَ أنَّه أراد المحارِبِينَ؛ لأِنَّ ذلك الحُكْمَ يَجِبُ عَلَيهم حَدًّا لا كُفْرًا، والحَدُّ لا يَسقُطُ بالتَّوبة.

وعن ابنِ عمرَ: «أنَّها نَزَلَتْ في المرْتَدِّينَ» (٤)، وقاله الحَسَنُ وعَطاءٌ؛ لأِنَّ


(١) في (م) و (ن): والحرب: المحروب. وينظر: مجمل اللغة ١/ ٢٢٩.
(٢) في (م): فيه.
(٣) أخرجه عبد الرزاق (١٨٥٤٤)، ومن طريقه الدارقطني (٣٢٦٦)، والبيهقي في الكبرى (١٧٣١٤)، عن إبراهيم، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: «نزلت هذه الآية في المحارب: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ إذا عدا فقطع الطريق فقتل وأخذ المال: صلب، وإن قتل ولم يأخذ مالاً: قتل، وإن أخذ المال ولم يقتل: قطع من خلاف، فإن هرب وأعجزهم: فذلك نفيه»، وإسناده ضعيف جدًّا، إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي متروك، ودواد بن الحصين روايته عن عكرمة منكرة.
(٤) أخرجه أبو داود (٤٣٦٩)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (١٧٣٠٩)، عن ابن عمر : «أن ناسًا أغاروا على إبل النبي ، فاستاقوها، وارتدوا عن الإسلام، وقتلوا راعي رسول الله مؤمنًا، فبعث في آثارهم، فأخذوا، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم»، قال: ونزلت فيهم آية المحاربة، وهم الذين أخبر عنهم أنس بن مالك الحجاج حين سأله، وفي سنده: عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب، وهو مقبول، لكن يقويه ويشهد له ما أخرجه مسلم في صحيحه (١٦٧١)، من حديث أنس في قصة العرنيين، وفيه: «وارتدوا عن الإسلام، وساقوا ذود رسول الله ».