للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(بَابُ الْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ)

أجْمَعوا على جوازِ العَفْو عن القصاص (١)، وهو أفْضَلُ، وسَنَدُه قَولُه تعالى: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾ [البَقَرَة: ١٧٨]، والعَفْوُ: المحْوُ والتَّجاوُزُ، والهاءُ في ﴿لَهُ﴾ ول ﴿مِنْ﴾، وهو القاتِلُ، ويكون (٢) القتيلُ أو الوليُّ على هذا أخًا للقاتِلِ مِنْ حَيثُ الدِّين والصحبة (٣)، وإنْ لم يكُنْ بَينَهما نَسَبٌ.

ونكَّر «شَيئًا» للإيذان بأنَّه إذا عُفِيَ له عن بعضِ الدَّم، أوْ عَفا بعضُ الوَرَثة؛ سَقَطَ القِصاصُ، ووجبت (٤) الدِّيةُ، فيكونُ العَفْوُ على هذا بمعنى الإسْقاطِ.

﴿ذَلِكَ﴾ أي: المذكورُ من العَفْو وأخْذِ الدِّيةِ، ﴿تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾ [البقرة: ١٧٨]؛ لأِنَّ القِصاصَ كان حَتْمًا على اليهود، وحُرِّمَ عليهم العفوُ والدِّيةُ، وكانت الدِّيةُ حَتْمًا على النَّصارى، وحُرِّمَ عليهم القِصاصُ، فخُيِّرتْ هذه الأمَّةُ بَينَ القِصاص وأخْذِ الدِّية والعَفْوِ؛ تخفيفًا ورحمةً، و «كان النَّبيُّ لا يُرفَعُ إليه أمْرٌ فيه القِصاصُ إلاَّ أَمَرَ فيه بالعَفْوِ» رواه الخمسةُ، إلاَّ التِّرمذيُّ، من حديثِ أنَسٍ (٥)، والقِياسُ يَقتَضيهِ؛ لأِنَّ القِصاصَ حقٌّ له، فجاز تَرْكُه؛


(١) ينظر: المغني ٨/ ٣٥٢.
(٢) في (م): أو يكون.
(٣) في (م): أو الصحبة.
(٤) زيد في (م): له.
(٥) أخرجه أحمد (١٣٢٢٠)، وأبو داود (٤٤٩٧)، والنسائي (٤٤٩٧)، وابن ماجه (٢٦٩٢)، وفي إسناده: عطاء بن أبي ميمونة، وثقه أبو زرعة وابن معين والنسائي، وقال أبو حاتم: (صالح لا يحتج بحديثه)، قال العقيلي: (لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به)، وضعف الحديث ابن القطان. ينظر: الضعفاء للعقيلي ٣/ ٤٠٣، بيان الوهم ٥/ ٧٩٥، تهذيب التهذيب ٧/ ٢١٦.