للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ فِي نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ؛ كَمِيَاهِ الْأَمْطَارِ؛ فَلِمَنْ فِي أَعْلَاهُ أَنْ يَسْقِيَ وَيَحْبِسَ الْمَاءَ حَتَّى يَصِلَ إِلَى كَعْبِهِ، ثُمَّ يُرْسِلَ إِلَى مَنْ يَلِيهِ)، نَصَّ عليه (١).

وجُمْلَتُه: أنَّ الماءَ لا يَخْلُو: إمَّا أنْ يكونَ نَهْرًا جارِيًا، أوْ واقِفًا.

والجارِي قِسْمانِ:

إمَّا أن يكونَ في نهرٍ غيرِ مملوكٍ، وهو ضَرْبانِ:

أحَدُهما: أن يكونَ نهرًا عظيمًا؛ كالنِّيل والفُرات الَّذي لا يَسْتَضِرُّ أحدٌ بالسَّقْي منه، فهذا لا تَزاحُمَ فيه.

الثَّاني: أنْ يكونَ نهرًا صغيرًا يَزْدَحِم النَّاسُ فيه، ويتشاحُّون في مائه؛ كنَهْر الشَّام، أوْ مَسِيلٍ يتشاحّ فيه أهْلُ الأرَضِينَ الشَّاربةِ مِنْهُ، فيُبدَأُ بِمَنْ في أوَّل النَّهر، فيَسقِي، ويَحبِس الماءَ حتَّى يَصِلَ إلى الكَعْبَينِ، ثمَّ يُرسِلُ إلى الثَّاني فيَفعَل كذلك، حتَّى ينتهي إلى (٢) الأراضِي كلِّها.

فإنْ لم يَفضُل عن الأوَّل شَيءٌ، أوْ عن الثَّاني، أو عن مَنْ يَلِيهما؛ فلا شَيءَ للباقِينَ؛ لأِنَّه لَيسَ لهم إلاَّ ما فَضَلَ (٣)، فَهُمْ كالعَصَبَةِ، ولا نَعلَم فيه خلافًا (٤)؛ لِمَا رَوَى عبدُ الله بن الزَّبَير: أنَّ رجلاً خاصَمَ الزُّبَيرَ في شِراجِ الحَرَّة الَّتي يَسقُونَ بها إلى النَّبيِّ ، فقال النَّبيُّ : «اسْقِ يا زُبَيرُ ثُمَّ أرْسِل الماءَ إلى جارِكَ»، فغَضِبَ الأنصاريُّ، وقال: أنْ كان ابْنَ عمَّتِكَ! فتلوَّنَ وجهُ رسولِ الله ، ثمَّ قال: «اسْقِ يا زُبَيرُ ثُمَّ احْبِس الماءَ حتَّى يَرجِع إلى الجَدْرِ»، فقال الزُّبَيرُ: واللهِ إنِّي لَأَحْسِبُ هذه الآيةَ نَزَلَتْ في ذلك: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ


(١) ينظر: الأحكام السلطانية ص ٢١٤.
(٢) قوله: (ينتهي إلى) هو في (ظ) و (ح): تنتهي.
(٣) في (ق): ما يصل.
(٤) ينظر: المغني ٥/ ٤٢٦.