للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(فَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهَا غَيْرَ كِتَابِيٍّ، أَوْ كَانَتْ مِنْ نِسَاءِ بَنِي تَغْلِبَ؛ فَهَلْ تَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، وفيه مسألتان:

الأُولى: قَطَعَ الخِرَقيُّ، وأبو بكرٍ، وابن أبي موسى، والقاضي، وجمهور أصحابه، والمؤلِّف في «الكافي»: أنَّه (١) لا يَحِلُّ لمسلمٍ نكاحُها؛ لأِنَّها مُتولِّدةٌ بَينَ مَنْ يَحِلُّ (٢) ومَنْ لا يَحِلُّ (٣)؛ كالمتولِّد بَينَ مأكولٍ وغيرِه.

والثَّانية: بلى؛ لأِنَّها كتابيَّةٌ، فتَدخُل في العموم.

وحَكَى ابنُ رَزِينٍ ثالثةً: أنَّها تَحِلُّ إذا كان أبوها كتابيًّا؛ لأِنَّ الوَلَدَ يُنسَبُ إليه.

قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: هذا خطأٌ، وكلامُ أحمدَ يدلُّ على أنَّ العِبرةَ بالدِّين، وأنَّه لم يُعلِّقِ الحُكمَ بالنَّسب البتَّةَ (٤).

وكذا ذَكَرَه القاضي في «تعليقه» ردًّا على الشَّافعيَّة أنَّ تحريمَ النِّكاح والذَّبيحة يتعلَّقُ بالدِّين دُونَ النَّسَب، والدِّين المُحرِّم مَوجودٌ، فكان الاعتبارُ به دُونَ النَّسب.

وظاهِرُه أنَّه إذا كان أبواه غَيرَ كتابِيَّينِ فالتَّحريمُ، وهو المذْهَبُ، وقِيلَ عنه: لا، وجَزَمَ به في «المغني»، واختاره الشَّيخُ تقيُّ الدِّين اعتبارًا بنفسه.

وأما الثانية: فالصَّحيحُ أنَّها تَحِلُّ، رُوِيَ عن عمرَ (٥)


(١) في (ق): أنها.
(٢) في (ق): تحل.
(٣) في (ق): تحل.
(٤) ينظر: شرح الزركشي ٥/ ١٧٦.
(٥) أخرجه عبد الرزاق (٨٥٧٦)، والبيهقي في الكبرى (١٣٩٨٩)، عن غضيف بن الحارث قال: كتب عامل إلى عمر: أن قِبَلَنا ناسًا يُدعون السامِرَة يقرؤون التوراة، ويسبتون السبت، لا يؤمنون بالبعث، فما يرى أمير المؤمنين في ذبائحهم، فكتب إليه عمر: «إنهم طائفة من أهل الكتاب، ذبائحهم ذبائح أهل الكتاب»، إسناده صحيح، واحتج به أحمد كما في أحكام أهل الملل ص ٣٦٣.