للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلا يُقضَى على غائبٍ بحقٍّ لله (١) تعالى؛ لِأنَّ مَبْناهُ على المساهَلَة، فإنْ تعلَّق به حقُّ آدَمِيٍّ كالسَّرِقة؛ قَضَى بالغُرْم دُونَ القَطْع، وفي حدِّ (٢) القاذِفِ وجْهانِ.

(وَهَلْ يُحَلَّفُ المُدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَبْرَأْ إِلَيْهِ (٣) مِنْهُ، وَلَا مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحداهما: لا يُستَحْلَفُ على بَقاءِ حقِّه، اختاره الأكْثَرُ، وذَكَرَه في «الشَّرح» ظاهِرَ المذهَب؛ لقوله : «البَيِّنةُ على المدَّعِي، واليمينُ على مَنْ أنْكَرَ» (٤)، وكما لو كانَتْ على حاضِرٍ.

والثَّانِيَةُ: بلى، قدَّمها في «المحرَّر»، وجَزَمَ بها في «الوجيز»، وصحَّحها في «الرِّعاية»، وقالَها أكثرُ العُلَماء؛ لِأنَّه يَجِبُ الاِحْتِياطُ، ولِأنَّه يَحتَمِلُ أنْ يكُونَ قَضاهُ أو غَيرُ ذلك، وكما لو كان حاضِرًا فادَّعى بعضَ ذلك وطَلَبَ اليمين.

ولا يَتعرَّضُ في يمينه لِصِدْقِ البيِّنة؛ لكمالها، بخِلافِ ما إذا أقام شاهِدًا، فإنَّه يَحلِفُ معه، ولا يَمِينَ مع بيِّنةٍ إلَّا هنا؛ لِأنَّ فيه (٥) طَعْنًا على البيِّنة.

وعنه: بَلَى، فَعَلُه عليٌّ (٦).


(١) في (م): الله.
(٢) في (م): حق.
(٣) قوله: (إليه) سقط من (ظ) و (م).
(٤) تقدم تخريجه ٥/ ١٨٨ حاشية (٤).
(٥) في (م): فيها.
(٦) مراده ما أخرجه الشافعي في الأم (٧/ ١٨٨)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (٢١٢٤٨)، من طريق ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن حنش: «أن عليًّا كان يرى الحلف مع البينة». وأخرج البيهقي في الكبرى (٢١٢٣٧)، من طريق سماك، عن حنش قال: أُتي علي ببغل يباع في السوق، فقال رجل: هذا بغلي لم أبع ولم أهب، ونزع على ما قال خمسة يشهدون، وجاء رجل آخر يدعيه ويزعم أنه بغله وجاء بشاهدين، فقال علي : «إن فيه قضاءً وصُلحةً، أما الصلح: فيُباع البغل فنقسمه على سبعة أسهم، لهذا خمسة، ولهذا اثنان، فإن أبيتم إلا القضاء بالحق، فإنه يحلف أحد الخصمين أنه بغله ما باعه ولا وهبه، فإن تشاححتما أيكما يحلف أقرعت بينكما على الحلف فأيكما قرع حلف، فقضى بهذا وأنا شاهد»، ومدار الإسنادين على حنش بن المعتمر الكوفي وهو متكلم فيه وخاصة في روايته عن علي، وثقه أبو داود، وقال البخاري: (يتكلمون في حديثه)، وقال النسائي: (ليس بالقوي)، قال ابن حبان: (ينفرد عن علي بأشياء لا تشبه حديث الثقات حتى صار ممن لا يحتج بحديثه). ينظر: تهذيب التهذيب ٣/ ٥٨.